للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: قد يسلم في المثال الأول لذلك نص الفقهاء على أن الدعوى إذا كانت على امرأة غير برزة أمرت بالتوكيل.

لكن ضعف المدعي أو المدعى عليه في مقابلة خصمه أي كونه لايحسن من الكلام ما يحسنه خصمه لايوجب التوكيل بدليل قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيتُ له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنَّما أقطع له قطعة من النَّار فلايأخذها)) رواه البخاري ومسلم (١) .

فالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يأمر الخصم في مثل هذه الحالة بالوكالة لكونه أضعف بياناً فدل على أن الوكالة ليست واجبة، لكن يُمكن أن يمثل لهذا بما لو كان المدّعى عليه مريضاً لايُمكنه الحضور لمجلس القضاء فيجبر على التوكيل؛ لأن إيصال الحق إلى مستحقه أمر واجب فإذا كان التوكيل طريقاً إليه وجب إعمالاً لقاعدة ما لايتم الواجب إلاَّ به فهو واجب.

وقد تكون الوكالة مندوباً إليها في حق ذوي المروءات، فينبغي أن يوكلوا لأنفسهم في الحقوق ولايباشروا الخصومة بنفوسهم (٢) .

ولايسلم بكونها مندوبة هنا؛ لأن المندوب هو ما يثاب فاعله ولايعاقب تاركه، فهل من ترك الخصومة لكونه من ذوي المروءات ووكل لذلك يثاب؟ .

فلو قيل بالندب في حق من تشغله الخصومة عن مندوب لكان أولى، وقد خاصم عمر أبيّ إلى زيد - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - وتخاصم علي وطلحة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - إلى عثمان.


(١) رواه البخاري في كتاب الشهادات، باب: من أقام البينة بعد اليمين ... ٣/١٦٢، واللفظ له، ورواه مسلم في كتاب الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، حديث [١٧١٣] ٢/١٣٣٧.
(٢) المحاماة رسالة وأمانة لأحمد حسن كرزون ٤٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>