بعد أن أتيت على نهاية البحث، أسجل بإيجاز أهم ما أرشد إليه في ثناياه، وما تمخضت عنه دراسته من نتائج، وهي كالتالي:
١- بَيَّنَ البحث أن التعارض الحقيقي بين الأخبار باستثناء الناسخ والمنسوخ منها، لا يدخلها ألبتة، وإنما هي متآلفة متوافقة لا تنافي بينها ولا اختلاف، وأنه إذا وجد خبران يوهم ظاهرهما التنافي والاختلاف، فإنه يكون تعارضاً صورياً لا في الواقع ونفس الأمر، ومرده نقص في علم الناظر وخلل في إدراكه، بحسب جلائهما وخفائهما بالنسبة إليه، حيث إنه غير معصوم من الخطأ والسهو وما شاكلهما، وإن هذا التعارض يزول بعد إنعام النظر فيها وتسريح الفكر، بأي وجه من وجوه الجمع الصحيحة، أو بيان النسخ، أو الترجيح، وقد اتضح ذلك جلياً من خلال الأمثلة التطبيقية التي سيقت لبيان ذلك.
٢- أكد البحث أن الثمرة المرجوة من وراء الجمع عند الإمام مالك هي التوفيق بين الأخبار المتعارضة، وأنه يقدمه على النسخ إذا كان محتملاً والترجيح، بل ويستعمله أيضاً أكثر منهما، أما النسخ فقد حدد معناه عما قد يلتبس به وضبطه؛ إذ ذهب إلى أنه: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متراخٍ عنه، أما الترجيح عنده فهو: تفجير القوة الزائدة والطاقة الكامنة في أحد الخبرين المتعارضين ليعمل به، وقد يتبع تعارض الترجيح أيضاً تعارض أوجهه، وحينئذٍ يقدم الإمام مالك الترجيح باعتبار السند، ثم يليه بالنسبة إليه الترجيح باعتبار المتن، ثم يليهما الترجيح باعتبار أمر خارجي، إذ لا حاجة تدعو المجتهد أن يستعين بأدلة خارجة عن إطار الأخبار ما دام الأمر قد حسم في داخلها وانقضى.