٣- كشف البحث أن منهاج الإمام مالك في التعامل مع الأخبار المتعارضة لم يكن اعتباطياً أو عشوائيا، وإنما جعل لدفعه مسالك عدة، قائمة على الاتساق في التأصيل، والدقة في التقعيد، ويحصرها حصراً مركزاً ويربطها ربطاً وثيقا، عدد من المعايير الحساسة؛ لترتيبها بحسب مواقعها عند تطبيقها على الوقائع، وعليه فقد تَكَوَّنَ من جملتها منهاج متكامل أرشد إلى كيفية تعامله معها، وبالرغم مما قررنا فإن التزامه بهذا المنهاج التزام نسبي؛ إذ قد يغير فيه، تبعاً لتسامي ملكاته، المستندة على أدلة تقتضي ذلك.
٤- أثبت البحث المستفيض أن التعامل مع الأخبار المتعارضة موضوع مهم خطير صعب عسير؛ إذ يحتاج خوضه إلى احتياط وورع ودقة وأمانة، وفهمه إلى غوص عميق في المعاني الدقيقة لدراسات متعددة الجوانب، ولا غرو فإنه يمثل أعلى المراتب في استيثاق الأخبار وحفظها وصيانتها من جهة أسانيدها أو متونها لتمييز الصحيح من السقيم والموضوع، وأن المحدثين تناولوه ضمن مبحث مختلف الحديث، أما الأصوليون فبسطوا الكلام فيه بشكل أوسع منهم تحت مبحث التعارض والترجيح.
٥- توصل الباحث إلى أن طرائق الإمام مالك في دفع التعارض بين الأخبار لها أثر بالغ في استنباطاته الفقهية، وأنها تمثل الأصول التي تتفرع عنها، وعليه فإنها من أهم ما يجب أن يعرفه المجتهد؛ إذ لا يمكنه ادعاء استخراج الأحكام بدونها.