ونظرا لبروز هذه المشكلة في مناهجنا الدراسية أحببت أن أسهم في إيجاد بعض الحلول لها من خلال مناقشة مجموعة من المسائل المتعلقة بمنهج دراسة السيرة النبوية التي ينبغي الاهتمام بها من قبل الدارسين والباحثين, وقد تعرضت في هذا البحث لسبع مسائل ذات صلة وثيقة بمنهج دراسة السيرة النبوية, وستراها مفصلة في البحث.
... وأسأل الله العلي القدير أن ينفع بها الباحث والسادة القراء. والحمد لله رب العالمين.
***
المسألة الأولى: المصادر التي تُستقى منها أخبار السيرة النبوية ووقائعها
هذه المسألة مهمة في منهج دراسة السيرة النبوية, لأن تحرير المصادر الموثوقة والرجوع إليها مما يساعد على الفهم الصحيح للسيرة النبوية, بخلاف من تأسره المصادر المنحرفة, التي كتبتها نوابت الضلال والانحراف من أهل الأهواء والبدع ليؤيدوا ضلالهم وانحرافهم, والحديث هنا ليس عن مصادر السيرة النبوية من حيث أنواعها وترتيبها التاريخي (١) , إنما هو عن مصادر السيرة من حيث التوثيق, ومن حيث الاتجاهات الفكرية للمصنفين, والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
١ مصادر أصلية وموثوقة وهي:
أالقرآن الكريم, وهو رأس المصادر وأساسها, وثبوته بالتواتر القطعي أمر مسلٍّم لا مرية فيه, وحديثه عن السيرة كثير (٢) , وعرضه منوع, ومنهجه في عرض الأحداث والوقائع يتميز بالشمول في تحليل الحدث ومعالجته, ويلاحظ الأهداف والغايات, ويركز على الآثار والنتائج, وينتزع الصورة الموحية من الحدث ثم يبرزها, غير ملتزم بتسلسل الحدث في سياقه التاريخي, لأن القرآن الكريم كتاب هداية وتربية وأحكام, لا كتاب تاريخ, فهو يهتم بالقيم والأخلاق. ومن مميزات النص القرآني وخصائصه:
عرض المشاعر والخواطر وما يجول في النفوس حتى يجعلها مكشوفة كأنها رأى العين.
بيان العواقب والمآلات للوقائع (٣) , وذلك لأنه صادر من العليم الخبير, والسميع البصير, والحكيم القدير, الذي أحاط بكل شيء علما.