هذا العصر يموج بكثير من الأفكار والاتجاهات المختلفة, وقد تأثر بعضه ببعض بسبب تيسير نقل المعلومات وسهولتها وسرعة الاتصالات, وتقدم الوسائل الإعلامية حتى صار العالم يوصف بأنه قرية واحدة.
والدراسات عن السيرة النبوية في هذا العصر كثيرة, وعلى مستويات مختلفة, ومن اتجاهات فكرية كثيرة, مثل القومية, والاشتراكية, والشيوعية, والعقلانية, والعلمانية, ويغلب على كثير منها استخدام أسلوب التحليل للنصوص, وهو أسلوب ناجح ومفيد في دراسة السيرة النبوية إذا كان المؤلف أو الباحث يملك المرجعية الشرعية, فيفهم حقيقة الإسلام ومنهجه الكامل, وفقه اللغة التي نزل بها القرآن, مع الاعتقاد بأنه الدين الحق والمنهج الخالد الذي لا يقبل الله من أحد سواه, ولا يصلح لهذا العالم غيره, وأن له الحاكمية والهيمنة على الأديان كلها, وهو شامل في أحكامه لكافة مناحي الحياة وأنشطتها السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية.
أما إذا كان الباحث لا يؤمن بهذه المعاني أو تنقصه المعرفة الشرعية فإن الغالب أن لا تكون نتائج دراساته صحيحة وإن أتقن طرائق المنهجية المعاصرة, مثل أسلوب التحليل النفسي, والتحليل الاجتماعي, وبيان أثر البيئة. لأن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفاته ليست نابعة من هذه المنابع, إنما هو عليه الصلاة والسلام مرسل من الله, ويبلغ ما أوحي إليه, ولذا فإنه لا بد في دراسة السيرة النبوية من ملاحظة أثر الوحي والنبوة في تصرفاته صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالتعبد وإبلاغ الوحي, ولا بد أيضا من فهم مقاصد الشريعة وغاياتها حتى يكون تفسير أحداث السيرة وتحليلها وفقا لنصوص الوحي ومقاصد الشريعة.