ولهذا لا نستغرب أن نجد في الدراسات المعاصرة عن السيرة النبوية أثر الاتجاهات الفكرية السائدة, فالقوميون العرب يفسرون حوادث السيرة حسب الفكر القومي عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ هو في نظرهم زعيم قومي وَحّد العرب لأول مرة في التاريخ تحت لواء دولة واحدة جامعة ومستقلة. والاشتراكيون يفسرون حوادث السيرة تفسيراً يخدم منهجهم وفكرهم, والشيوعيون يفسرون الغزوات النبوية تفسيرا اقتصاديا حسب نظرتهم للتاريخ البشري وأن الصراع فيه هو على الموارد الاقتصادية ولأجلها, وكذا العلمانيون يفرقون بين شخصية النبي صلى الله عليه وسلم القائد والحاكم وبين شخصيته نبيٌ وزعيم ديني, ففي الأول يتصرف بكونه حاكما من غير النظر إلى النبوة والدين لأنهم يفصلون بين الدين والحياة. وهكذا تسير كل فرقة في دراساتها عن السيرة النبوية حسب منهجها الفكري, ولذا فإن على الباحث والقاريء المسلم الحذر من مثل هذه المؤلفات, ومعرفة اتجاهات الباحثين والكتاب حتى لا ينخدع بإحسان بعضهم لطرائق التحليل المنهجي للنصوص, والذي يستخدم وسيلة لتسويغ الفكر المنحرف وتسويقه.
ولكن ليست هذه هي الصورة الوحيدة في الدراسات المعاصرة عن السيرة النبوية, وإنما توجد ولله الحمد دراسات جادة ونافعة, جمعت بين أسلوب التحليل للنصوص, وأسلوب القدامى من العلماء في حشد النصوص وتصحيحها والاستدلال بها, مع امتلاك القدرة العلمية والمرجعية الشرعية التي تلاحظ أثر النبوة والوحي, وتدرك مقاصد الشريعة وخلودها وتفردها بالمنهج المصلح للحياة البشرية وأنه لا منهج غيره يصلح لإنقاذ البشرية وإيصالها إلى نيل رضا الله والفوز بجناته.