والإنسان لا ينفك عن تصوره واعتقاده إلا إذا ترك الاعتقاد ونبذه, وتفسير حوادث التاريخ – والسيرة جزء منه - يخضع للتصور الاعتقادي والفكري, فإذا كان الباحث يحمل تصورا اعتقاديا صحيحا, كانت نتائج دراسته صورة لفكره وفلسفته في الحياة, وهذا الأمر يستلزم منا معرفة اتجاهات الباحثين والمؤلفين لنعرف مشاربهم الفكرية ومآخذهم الاعتقادية, وسنجد أن دراساتهم وأبحاثهم صورة لأفكارهم وعقائدهم, وبهذا الميزان نرفض نتائج أبحاث الأوربيين والمستشرقين عن السيرة النبوية, لأنهم ليسوا أهلا أن يحمل عنهم العلم عن سيرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ما داموا يكفرون به ولا يؤمنون بنبوته ورسالته إلا على وجه غير صحيح, وكذا الدراسات المتأثرة بأفكارهم والمعتمدة عليها يجب رفضها حتى ولو كان الباحث مسلما. فقد رفض علماء الحديث النبوي الرواية عن من اشتهر بالأخذ عن أهل الكتاب ورواية الإسرائيليات, وهؤلاء أولى بالرفض, لأنهم بتحليلهم لأحداث السيرة المتأثرة بعقائد وأفكار المستشرقين ينقلون لنا انحرافاتهم مسوغة باستنتاجات من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحرفون فيها القول عن مواضعه, ويحاكمون نصوص الوحي محاكمة عقلية غير مهتدية, والعقل وحده لا يستقل بفهم نصوص الوحي, وخاصة في أمور الغيب مثل الحديث عن الجنة والنار والبعث والنشور, والملائكة والجن, والمعجزات ودلائل النبوة, ومما ينبغي التنبه له في تفسير أحداث السيرة النبوية أن لا نجعل الواقع الذي نعيشه مقياسا, ونحاول أن نؤول نصوص السيرة ووقائعها لتوافقه, فنسوغ للواقع الذي نعيشه ونجعله الأصل حتى لو كان فيه انحرافا, ونستدل له من السيرة النبوية, وهذا الأمر يحدث نتيجة لروح الانهزام أمام العدو والحضارة المعاصرة المسيطرة والانبهار بمنجزاتها المادية, كما يحدث لضعف الإيمان بخلود الرسالة المحمدية واستمرارها وعلوها وظهورها على جميع الملل والأديان.