ولذا فإنه يجب على الباحث عدم الانسياق وراء المنطق التسويغي, وعليه التحرر من الروح الانهزامية عند تحليل أحداث السيرة النبوية, وأن يعظم ويحترم الأحكام الشرعية المقررة ويلتزم بها بكل وضوح مع الاعتزاز بمعطياتها.
المسألة الرابعة: ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من السيرة
إن استخراج الدروس والعبر والأحكام من حوادث السيرة النبوية من أهم أهداف الدراسة لها وأعظم فوائدها, لكن هذا الأمر لا يستطيعه كل باحث أو قارىء للسيرة , لأنه يحتاج إلى مرجعية شرعية, وإلى ضوابط تضبط طريقة الاستنتاج. وبالنظر إلى مناهج الاستدلال والاستنباط عند علماء المسلمين فإنه يمكن معرفة ضوابط استخراج الدروس والفوائد التربوية من خلال طريقتهم في البحث والاستدلال وفقا للخطوات التالية:
١ التأكد من صحة الحدث أو الواقعة التاريخية حتى يصح الاستدلال بها:
وذلك أن جوانب كثيرة من السيرة النبوية بعد البعثة هي جزء من السنة النبوية التي هي أحد مصادر الأحكام الشرعية فلا بد من التثبت من صحة الحادثة, ونجد أن العلماء يسلكون في منهج التوثيق لأحداث السيرة منهج علماء الحديث النبوي, لكنهم يفرقون في النتيجة بين الأحداث والوقائع التي تبنى عليها أحكام شرعية واعتقادية, وبين الأحداث التي لا تؤخذ منها الأحكام مثل: الفضائل, وأخبار الحضارة والعمران, فيتشددون في الأولى ويتساهلون في النوع الثاني من الأخبار, كما روي ذلك عن الإمام أحمد, وابن مهدي, وابن المبارك (٨) , وأمثالهم.
٢ بذل الجهد في جمع الأخبار الواردة في الموضوع الواحد:
وهذه هي الطريقة العلمية الصحيحة حيث يحيط الباحث بجميع الأخبار الواردة في الموضوع, بل يجمع الطرق والألفاظ لكل نص حتى يستطيع أن يخرج بحكم صحيح وتصور واضح, ويعرف المتقدم من المتأخر, والعام من الخاص. والألفاظ يفسر بعضها بعضا, وبهذا يتمكن من الجمع بين النصوص والأخبار المتعارضة, أو ترجيح أحدهما على الآخر على وجه صحيح.