للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. أما أبو الفتح ابن جنّي فقد كان أكثر وضوحاً وأدق تفريقاً بين الأصوات والحروف، قال: "اعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلاً متصلاً، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته فيسمى المقطع أين عرض له حرفاً. وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها (٨) ". واضح من كلام ابن جنّي هذا أنه لا يقصد بالمقطع ما نقصده نحن الآن من مصطلح المقطع Syllable، الذي يعني "وحدة صوتية تتكون من صائت واحد على الأقل هو نواة المقطع، بالإضافة إلى احتمال وجود صامت واحد أو أكثر قبل الصائت أو بعده مثل in,no,sit على التوالي، ولكل مقطع درجة مناسبة من النبر تأخذ نواته. وقد يكون المقطع كلمة مثل lip، أو جزءاً من كلمة مثل win في window، وقد يكون المقطع مفتوحاً إذا انتهى بصائت مثل no، أو مغلقاً إذا انتهى بصامت مثل not (٩) ". ويستمر ابن جنّي في توضيح هذا الأمر، وأن الطريقة المثلى لتحديد الحرف وصداه أو امتداده هي أن يكون ساكناً، فيقول: "وسبيلك إذا أردت أن تعرف صدى الحرف أن تأتي به ساكناً لا متحركاً لأن الحركة تقلق الحرف عن موضعه ومستقرة وتجتذبه إلي جهة الحرف الذي هي بعضه، ثم تُدْخل عليه همزة الوصل مكسورة من قبله لأن الساكن لا يمكن الابتداء به، فتقول: إِكْ، إِفْ، إِجْ وكذلك سائر الحروف (١٠) " فهو يقصد بالصوت ما يتبع نطق بعض الأصوات من استمرار وامتداد وتفشٍ، ثم يؤكد هذا التفريق بين الحرف والصوت، فيقول: "وذلك أن الحرف حدّ منقطع الصوت وغايته وطرفه، كحرف الجبل ونحوه، ويجوز أن تكون سميت حروفاً لأنها جهات للكلم ونواح كحروف الشئ وجهاته المحدقة به (١١) " ثم يقول: "فقد ثبت بما قدمناه معرفة الصوت من الحروف وكشفنا عنهما بما هو متجاوز للإقناع في بابهما ووضحت حقيقتهما لمتأملهما (١٢) ". فابن جني جازم في تفريقه بين الصوت والحرف، وقد يُفهم من كلامه في هذا الشأن أنه كان يعتبر الحرف

<<  <  ج: ص:  >  >>