مقام ما يُعرف في الدراسات اللغوية المعاصرة باسم الفونيم Phoneme، الذي هو أصغر وحدة صوتية قادرة على تغيير معنى، وأن هذه الأصوات التي أشار إليها ليست إلاّ صوراً لتلك الفونيمات أو ألوفونات Allophones لها، وهو ما يعد فهماً مبكراً لطبيعة الصوت اللغوي عند اللغويين العرب بعامة وعند ابن جنّي بخاصة. ولم يقتصر الدرس الصوتي عند العرب على اللغويين فقط، بل شارك في هذه الدراسات علماء التجويد وعلماء البلاغة وغيرهم.
... قدم العرب ملاحظات قيمة في مجال الدراسة الصوتية، يبدو ذلك واضحاً في ما خلفوه من دراسات شملت أصوات العربية كافة. ومن الأصوات التي حظيت بعناية فائقة عند العرب صوت الهاء، الذي ربما يصدر عن الإنسان لا لغرض الكلام بل بسبب إرهاق أو تعب، أو حالة نفسية معينة دون قصد من المتكلم، فهو اندفاع غزير للهواء في عملية تنفسيّة غير طبيعية ينتج عنها سماع صوت الهاء، يقول إبراهيم أنيس:"عند النطق بالهاء المجهورة يندفع من الرئتين كمية كبيرة من الهواء أكبر مما يندفع من الأصوات الأخرى، فيترتب عليه سماع صوت الحفيف مختلطاً بذبذبة الوترين الصوتيين (١٣) ". ومثل هذا الصوت نسمعه يصدر عن الحيوانات عند تعبها أو نصبها، ولعل هذا التشابه كان سبباً من الأسباب التي حدت بالباحث أن يدرس صوت الهاء.