قال "حوّل الهاء الآخرة ياء، لأن الياء أقرب الحروف شبهاً بالهاء، ألا ترى أن الياء مَدّ والهاء نفس (٢٠) ". وقد أشار سيبويه إلى هذا بقوله: (كما أن دهديت هي فيما زعم الخليل "دهدهت بمنزلة "دحرجت"، ولكنه أبدل الياء من الهاء لشبهها بها، وأنها في الخفاء والخفة نحوها (٢١) ". ويؤكد الخليل أن الهاء نَفَس فيقول:"الهمز صوت مهتوت في أقصى الحلق فإذا رُفِّه عن الهمز صار نفساً تحول إلى مخرج الهاء (٢٢) ". وقد وافقه ابن جني على هذا وأن الهاء ضعيفة خفّية فقال "ومن الحروف المهتوت وهو الهاء، لما فيه من الضعف والخفاء (٢٣) " ويستمر الخليل في تأكيد صفة الضعف لصوت الهاء فيقول "ولم يكن في الحروف أهش من الهاء لأن الهاء نَفَسُ (٢٤) ". والهش: كل شئ فيه رخاوة (٢٥) ".
الهاء صوت صامت:
... ومن هنا عُدَّ صوت الهاء ضمن الأصوات الصائتة. وإذا تتبعنا نطق هذا الصوت في جميع حالاته وجدنا أنه لم يستقر على صفات الصوائت فقط، بل اتصف كذلك بصفات خاصة بالأصوات الصامتة، إنه في بعض حالات نطقه يحدث تضييق لمجرى الهواء يُنْتِج تذبذب الوترين الصوتيين الذي يؤدي الى حدوث احتكاك Friction مسموع وهذه صفة من صفات الصوامت، فالهاء في هذه الحالة صوت صحيح لكنه "ألين الحروف الصحاح (٢٦) " وعند النطق بأصوات اللين يندفع الهواء من الرئتين إلى الفم دون أن يعترضه أي اعتراض قد يضيّق مجراه فهو أكثر ليناً من الأصوات الرخوة التي يضيق مجرى الهواء عند نطقها.
إن عدم ثبوت هذا الصوت على صورة واحدة، وعدم اعتماده موضع نطق محدد، وعدم ثبات الوترين الصوتيين من حيث التذبذب وعدمه عند نطقه أَدّى إلى اتصاف هذا الصوت بصفات متباينة، أدى إلى ظهور صور متعددة منه وأنواع مختلفة له، شكلت مجتمعة ظاهرة صوتية معينة جديرة بالدراسة والتحليل.