وقد تباينت آراء العلماء قديماً وحديثاً حول صوت الهاء من حيث موضع نطقه ومخرجه مما ترتب عليه اختلاف صفات هذا الصوت وخصائصه، فقد ذهب معظم العلماء في العصر الحديث إلى اعتبار الهاء "صوت صامت مهموس حنجري احتكاكي (٢٧) ". وقد بينا من قبل كيف اعتبر صوت الهاء من الصوامت ذلك لأنه في حال نطقه يُعْتَرَضُ مجرى الهواء في الفم. وهو صوت مهموس لأنه حال نطقه تكون فتحة المزمار في حالة انفتاح يترتب عليه عدم تلاقي الوترين الصوتيين أو اهتزازهما. فالنفس يجري بسرعة ودون أية إعاقة عند نطق الصوت المهموس الذي هو "حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه، وأنت تعتبر ذلك بأنه قد يمكنك تكرير الحرف مع جري الصوت نحو: سَسَسَس، كَكَكَك، هَهَهَه، ولو تكلفت مثل ذلك في المجهور لما أمكنك، لأن المجهور حرف أشبع الاعتماد من موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد ويجري الصوت (٢٨) " والمقصود بالاعتماد هنا الضغط (٢٩) أي الوضوح والقوة Sonority. فالأصوات المهموسة هي التي تتردد في اللسان بنفسها أو بحرف اللين الذي معها، ولا يمتنع الصوت الذي يخرج معها وليس من الصدر (٣٠) . من هذا النص ندرك أن صوت الهاء يمتاز عن غيره من أصوات العربية في أنه ليس له موضع نطق واضح محدد، فقد يكون مهموساً في موضع معين، وربما تحول إلى صوت مجهور (٣١) في موضع آخر، وبرصد هذا الصوت تبين أنه يتردد بين الهمس والجهر وهي صفة لا يشاركه فيها غيره من أصوات العربية، وهذه الذبذبة ربما كانت السبب في عدم اتفاق علماء الأصوات – قدماء ومحدثين – ومقدرتهم على تحديد موضع معين لنطق هذا الصوت. وقد أوضح الخليل معنى الهمس فقال:"الهمس حسّ الصوت في الفم مما لا إشراب له من صوت الصدر، ولاجهارة في المنطق ولكنه مهموس في الفم كالسر (٣٢) " فالهمس كما فهمه الخليل إخفاء الصوت وعدم ظهوره أثناء مروره بالفم، وسلامته من أي إشباع أو ضغط مما يجعله ضعيفاً غير