ورد في بعض الدراسات الحديثة أن السلطان قانصوه الغوري (٩٠٦ - ٩٢٢هـ/ ١٥٠٠ - ١٥١٦م) عالج مشكلة نقص المياه في جدة؛ وذلك بدراسة إمكانية جلب مياه العيون إليها؛ لإحلال ذلك محل سقيا الناس من الصهاريج والآبار، وعندما ظهرت إيجابية الدراسة أمر بتنفيذ المشروع، وكلل مسعاه بالنجاح، فجلب ماءً من عين وادي قوص (قوز) الواقع شمال الرغامة (١٩) . ونظرا لعدم ورود مصدر لهذه الرواية، فقد بحثت عنها فيما توافر لي من مصادر معاصرة أو قريبة عهد من مدة حكم السلطان قانصوه الغوري، فلم أجد مايشير إلى ذلك (٢٠) ؛ ولعل في عرض النصوص التالية مايؤيد ذلك، ويوضح أسلوب سكان هذه المدينة في حصولهم على المياه في ذلك العهد، فقد ذكر ابن إياس أنه في سنة ٩١٥هـ/١٥٠٩م، فعل السلطان قانصوه الكثير من وجوه الخير منها " أصلح عدة مناهل بطريق مكة، وبنى هناك أشياء كثيرة من هذه النمط، وحصل بها غاية النفع "(٢١) ؛ وهذا النص عام في مدلوله، ولم يرد فيه تحديد لإيصال مياه عين إلى جدة. وبما أن ابن إياس كان معاصرا لمدة حكم السلطان قانصوه الغوري ورصد أعمال الغوري في بناء سور جدة، وغيره من المنشآت (٢٢) ؛ فإن عدم ذكره لمشروع إيصال ماء عين وادي قوز إلى جدة، يعد حجة بعدم تنفيذ هذا المشروع. وأشار عز الدين بن فهد إلى حصول سيل عظيم في جدة في أوائل سنة ٩٢٥هـ / ١٥١٩م، امتلأت منه الصهاريج جميعها وانتفع به أهل البلد (٢٣) . وعلى هذا فإن سكان جدة بعد ثلاث سنوات من حكم الغوري، لازالوا مستمرين على أساليبهم السابقة في الحصول على المياه، المتمثل منها في هذه الرواية حفظ مياه الأمطار في الصهاريج، فلو كانت مياه عين وادي قوص (قوز) ترد إليهم؛ فما الذي يدفعهم إلى شرب مياه الصهاريج الراكدة. كما ذكر الجزيري أنه في سنة ٩٤٥هـ /١٥٣٨م وصل إلى جدة - عبر البحر - جيش عثماني أمر قائده:"بطلب الماء العذب والحطب ... ونجلت له الصهاريج التي هي داخل جدة وخارجها (٢٤) ".