هذا تعريفٌ موجز لهذا العالم الكبير، واللُّغوي المتقن، والنَّحوي المحقِّق، والأديب الواسع، الَّذي امتدحه كلُّ مَنْ ترجم له بأجمل العبارات، ولقَّبوه بأحسن الصِّفات، ولكن المتأمِّل في تلك العبارات، وفي تلك الصِّفات سيلحظ أنَّها جميعًا كانت تدور حول تفوُّقه في جمع اللُّغة وحفظها، أمَّا الجانب النَّحوي عنده فلم يُخصَّص بأيِّ إشارةٍ تُذكر (١) على الرَّغم من أنَّ مصنَّفاته سواءً اللُّغويَّة منها، أو الأدبيَّة كانت تزخر بالمسائل النَّحويَّة الجديرة بالأخذ والدِّراسة، لذا رأيت أن أتتبع آراءه النَّحويَّة في أحد كتبه، وأسلِّط الضَّوء عليها، لعلِّي أضيف شيئًا جديدًا إلى مناقب هذا العالم الفاضل، ونظرت في كتبه المطبوعة، واخترت من بينها كتابه (شرح مشكل شعر المتنبِّي) ؛ لأنَّ هذا الكتاب قد جمع حسبما أرى الحُسنيين؛ فهو كتابٌ زاخرٌ باستطرادات ابن سِيْدَه اللُّغويَّة، وتعليقاته النَّحويَّة حول شعرِ أبي الطيِّب المتنبِّي، فرأيت في جعله مجالَ الدِّراسة والبحث فرصةً لتحقيق هدفين هامين:
أحدهما: تقديم بعضٍ من آراء ابن سِيْدَه في الدَّرس النَّحوي.
والآخر: تقديم مسائل تطبيقيَّة على قواعد نحويَّة من شعرِ أحد المولَّدين البارزين.
واتبعت لتحقيق ذلك النَّهج التَّالي:
جمع المسائل النَّحويَّة الَّتي عبَّر فيها ابن سِيْدَه عن رأيه بصراحة، أمَّا التَّوجيهات الَّتي كان يوجِّه بها بعض الكلمات في الأبيات دون أن يصرِّح برأيه فيها، فهذه لم يعرِّج عليها البحث؛ خشية أن يُنسبَ إليه شيءٌ لم يرده.
ترتيب تلك المسائل في أبوابها، الَّتي رُتِّبت هي حسب ترتيب ابن مالك لألفيته.
وضع عنوان مناسب لكلِّ مسألةٍ من تلك المسائل.
عرض كلِّ مسألة، مع ربطها ببيت أبي الطيِّب؛ ليكون كالشَّاهد عليها