للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

“ أمَّا قوله: أسود في عيني من الظُّلم، فخطَّأه فيه قوم، قالوا: إنَّ فِعْلَ هذا على أكثر من ثلاثة أحرف، وهو (اسودَّ) فلا تقع المفاضلة إلاَّ بأشدَّ وأبين وغيرهما من الأفعال الثُّلاثية الَّتي تُصاغ؛ ليوصل بها إلى التَّعجُّب من الأفعال الَّتي على أكثر من ثلاثة، وهذا منهم غلط؛ ليست (أفعل) هنا للمفاضلة، ولا (مِنْ) متعلَّق بأسود على حدِّ تعلُّق (مِنْ) ب (أفضل) في قولك: زيدٌ أفضل من عمرو، وإنَّما هو كقولك: لأنت أسود معدودٍ من الظُّلم في عيني، ف (مِنْ) غير متعلِّقة بأسود كتعلُّق (مِنْ) ب (أفعل) الَّتي للمفاضلة، وإنَّما هي في موضع رفعٍ حالَّةً محلَّ الظَّرف بمنزلتها في قول الأعشى:

فلستَ بالأكثرِ منهمْ حصى وإنَّما العِزَّةُ للكاثر

ولا يجوز أن تكون (مِنْ) متعلِّقة ب (الأكثر) ؛ لأنَّ اللاَّم تعاقب (مِنْ) وإنَّما هي هنا بمنزلة الظَّرف “ (١) .

وكما اعتذر للمتنبِّي من هؤلاء القوم، اعتذر له من ابن جنِّي الَّذي أخذ عليه قوله:

وأَغرَبُ منْ عَنْقَاءَ في الطَّيرِ شَكْلُهُ وأَعْوَزُ منْ مُسْتَرفِدٍ منهُ يُحرَمُ (٢)

حيث صاغ أفعل التَّفضيل (أعوزُ) من الفعل غير الثُُّلاثي (أعوزَ) (٣) ، فقال ابن سِيْدَه: “ قال: أعوزُ، وإنَّما هو أشدُّ إعوازًا؛ لأنَّه جاء به على حذف الزَّائد، هذا قول أبي الفتح، وليس على حذف الزَّائد كما قال؛ لأنَّه يُقال: عازَه الأمر وأعوزَه، ف (أعوزُ) في بيت المتنبِّي على (عازَ) لا على (أعوزَ) وإنَّما يُتوهم حذف الزَّائد إذا لم يوجد عنه مندوحة؛ كقولهم: ما أعطاه للدِّرهم، وآتاه للجميل، وأولاه للمعروف، فإنَّ هذا كلَّه على حذف الزَّائد " (٤) .

من باب النَّعت

المسألة الأولى: اشتراط كون الصِّفة مشتقَّة

فإذا جاءت جامدة أُوِّلت بالمشتق (٥) ؛ وهذا ما فعله ابن سِيْدَه في (قُطْن) من قول المتنبِّي:

<<  <  ج: ص:  >  >>