وعرّفوا السكون بأنه " عبارة عن خلو العضو من الحركات عند النطق بالحرف، ولا يحدث بعد الحرف صوت، فينجزم عند ذلك، أي ينقطع؛ فلذلك سمي جزماً، اعتباراً بانجزام الصوت، وهو انقطاعه، وسكوناً، اعتباراً بالعضو الساكن (٤) .
وعلة تسمية الجزم التي وردت في (اللسان) علة لفظية، لا تتطرق إلى الأبعاد التي أسكن من أجلها الحرف وقطعت عنه الحركة، وتتجاهل المعنى الذي دلت عليه الكلمة، ودل عليه الإعراب، وتدعونا إلى التساؤل عن العلة المعنويّة التي من أجلها أسكن الحرف، وقطعت عنه الحركة؟!!
ولعلّ العلّة تكمن في ذات المتكلم، فالمتكلم يقف على الحرف، ويجعله ساكناً، ويقطع الصوت بعده، فيقول: افعلْ، أو لا تفعلْ، أو لم أفعلْ، أو إنْ تفعلْ افعلْ؛ فكأنُما أراد أن يدلل على معنى الأمر، والنهي، والنفي، والشرط، وهي معانٍ تُشعر بالعزيمة القوية، والجزم والقطع في الأمر، والبت فيه؛ لذا يُعرًف الليث الجزم بقوله: " الجزم عزيمةٌ في النحو في الفعل " (٥) .
فكأنما أراد أن يشير إلى العزيمة القوية الموجودة في نفس المتكلم، قال المبرد (٦) : "إنما سمي الجزم في النحو جزماً؛ لأن الجزم في كلام العرب القطع، وكلّ أمرٍ قطعته قطعاً لا عودة فيه فقد جزمته "، فلما رأوا أن المتكلم يقف على الحرف ولا يجري الصوت فيه، جازماً في الأمر، قاطعاً له، وضعوا عليه علامة تدل على سكون الحرف وقطع الصوت عنه، وسميت هذه العلامة سكوناً، وجزماً.
وقد وُضِعَتْ علامات الإعراب لتُعْرِب عن المعاني التي تدور في النفس،، وكان ذلك في فترة زمنية متأخرة، عندما اتخذ أبو الأسود الدؤلي كاتباً من بني عبد القيس (٧) ، وأمره أن يضع علامات تدل على الملفوظ من الكلام، ثم وُضعت بعد ذلك العلامات المعروفة؛ وهي الفتحة،والضمة،والكسرة، والسكون، وفقاً لحركة الفم وسكونه.