فالمعنى الذي يدور في نفس المتكلم يأتي أولاً، ثم يليه التعبير عنه بالكلام الملفوظ، ثم الدلالة عليه في الخط المكتوب بالعلامات الدالة عليه.
وقيل: إن الدائرة الصغيرة قد اختيرت لتدل على السكون والجزم؛ لأنها مأخوذة من ميم " جزم ". وقيل: اتُخِذ رمز الدائرة الصغيرة - وهو رمز الصفر في حساب الهنود، الذي يدل على خلو المرتبة - ليدلّ على خلو الحرف من الحركة (٨) .
ولعل السبب في أن الحروف أصلها السكون؛ لأنّ الحرف ليس له معنى بمفرده، ولا يكون له معنى إلاّ مع غيره، فحروف الهجاء تدب فيها الحركة إذا ائتلفت مع الحروف الأخرى في الكلمة، وتتغير حركاتها بتغيّر المعاني التي تدلّ عليها، ويسكن ما يسكن منها - بعد ائتلافها - منعاً لتوالي الحركات.
والجزم من خصائص الأفعال، والأفعال التي يلحقها السكون هي: فعل الأمر، والفعل المضارع إذا سبق بجازم، أو إذا وقع جواباً للطلب، وسيتضح ذلك فيما يلي.
جزم الفعل المضارع: (٩)
... يجزم الفعل المضارع في موضعين:
أولهما: إذا سبق بأداة من الأدوات التي تجزم المضارع، وهي نوعان:
الأول - أدوات تجزم فعلاً واحداً، وهي أربعة أحرف: اللام الطلبية، و " لا " الطلبية، و"لم"، و" لمّا ".
الثاني - أدوات تجزم فعلين: أحدهما فعل الشرط، والآخر:جواب الشرط؛ وهي إحدى عشْرةَ أداةً: "إنْ - إِذْمَا - مَنْ - مَا - مَهْمَا – مَتَى - أيَّانَ - أيْنَ - أنَّى - حَيْثُمَا - أيّ ".
وثاني الموضعين: إذا وقع جواباً للطلب. وهو موضوع هذا البحث.
جزم المضارع في جواب الطلب
... يجوز جزم الفعل المضارع الواقع في جواب الطلب إذا سقطت الفاء، بشرط أنْ يقصد الجزاء.
والمقصود بوقوع الفعل المضارع جواباً للطلب؛ هو أنْ يكون مترتباً على كلام قبله ترتب الجواب على السؤال.
والمراد بقصد الجزاء؛ هو تقدير الفعل " مسبباً عن ذلك الطلب المتقدم، كما أن جواب الشرط مسبب عن فعل الشرط " (١٠) .