للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما قول النحويين بأن الجازم هو الطلب مضمناً معنى الشرط، أو نائباً مناب الشرط ففيه ترخُّص؛ لأن الطلب في حد ذاته لا يفتقر إلى جواب، والكلام تام به، فإذا قلنا: " افعلْ " أو " لا تفعل " فإنما نطلب من المأمور أن يفعل، أو ننهاه عَنْ أَنْ يفعل، ولا وجود لمعنى الشرط فيه بمفرده؛ إذ لا يقتضي - بمفرده - جواباً، ولا يتوقف وجود غيره على وجوده، ولكن إذا أتينا معه بجواب، نحو: " ايتني آتك "، دلّ ذلك على أن هناك شيئاً يتوقف عليه هذا الجواب، ولم نلحظه من الطلب بمفرده، ولا من الجواب بمفرده، بل منهما معاً، ولله درّ ابن خروف! إذ قال: " كلُّ جوابٍ يُجزم فلتضمن الكلام معنى الشرط " (٣٩) ، فقال: " لتضمن الكلام " ولم يقل: الطلب؛ لأن الطلب بمفرده - كما سبق- كلام تام، لا يوجب اقترانه بجواب، ولكن الكلام المشتمل على الطلب والجواب معاً دلاّ على معنى الشرط. وقال في (شرح الكتاب) (٤٠) : "والجازم في هذا الباب للجوابات الكلام الذي دخله معنى الشرط؛ لأنه في معنى " إنْ تأتني آتك "، والعامل في جواب الشرط الصريح حرف الشرط ومجزومه، فكذلك ما ناب منابه وتضمن معناه ".

والأمر أيسر من أنْ يُجعل فيه خلافٌ، إذ قَصْدُ الشرط موجود في كلامهم وإن اختلفت العبارة، والجزم حاصل بالشرط الملحوظ من الكلام سواء أكان مقدراً في الكلام وجاز التلفظ به، أم تضمنه الطلب ولم يَجز التلفظ به، أم ناب عنه؟ . والذي قادهم إلى إيجاد هذا الخلاف مصطلحات ثلاثة: " التقدير، والتضمين،والنيابة "، وحسماً للخلاف يمكننا القول: بأن الجازم للجواب شرطٌ مقدرٌ ملحوظٌ، تضمنه الكلام، وناب منابه - وهو قريبٌ ممّا قاله ابن خروف - سواء تلفظنا به أم لم نتلفظ به، وبذلك نكون قد وَفّقْنا بين المذاهب الثلاثة. قال الشاطبيّ (٤١) : " والخَطْبُ في المسألة يسيرٌ، وكلاهما محتملٌ ممّا يقال به، فلا حاجة إلى الإكثار ".

<<  <  ج: ص:  >  >>