فقوله:" بإضمار شرط في ذلك كله " يدل على أن الجازم هو الشرط المضمر في الطلب إمّا على جهة التضمين أو النيابة؛ لأنه يدل على معناه. وقوله:" فوجب تقديره بعد هذه الأشياء " يقطع بأن يكون الجازم هو الشرط المقدر.
أما قول الفارسي في (الإيضاح)(٣٥) : " وقد يحذف الشرط في مواضع فلا يؤتى به لدلالة ما ذكر عليه، وتلك المواضع: الأمر، والنهي ٠٠٠٠ "؛ فيدل على أن الجازم شرط مقدر محذوف، كما أنه قد يدل على أن الجازم الطلب الذي تضمن الشرط ودل عليه، أو الطلب الذي دل على الشرط فناب عنه؛ فاحتمل كلامه - أيضاً - المذاهب الثلاثة، ولا يبعد عنه ما جاء في (المسائل المنثورة)(٣٦) .
وبإنعام النظر فيما أثر عن هؤلاء النحاة؛ نجد أنّ أقوالهم تتشابه ولا تناقض بينها - وإن اختلفت عباراتهم - كما أنّ بعضها يحتمل المذاهب الثلاثة، ومن هنا ندرك سبب اضطراب العلماء في نسبة هذه المذاهب إليهم.
والحقيقة أن الخليل، وسيبويه، والفارسي لم يصرح أحد منهم بتأييده لمذهب من هذه المذاهب، ولم يحدد أحد منهم مصطلحاً معيناً من المصطلحات الثلاثة ويتشبث به، وإنّما الذين أوجدوا هذا الخلاف وحاولوا أن يعمّقوه، وأن يوجدوا فروقاً بين أقوال النحاة؛ هم المتأخرون (٣٧) ، فحاول كل منهم أن يؤوّل كلام السابقين ويوجهه وفق مذهبه، حتى اتسعت شقة الخلاف.
ولم يختلف أحد على وجود شرط ملحوظ في الكلام، سواء أقدرناه بعد الطلب، أم قدرناه في الطلب على جهة التضمين أو النيابة؟ فالشرط ملحوظ في جميع التراكيب التي انجزم فيها المضارع، والفرق بين التضمين والتقدير أنّ التضمين: يكون في المعنى المتضمن على وجه لا يصح إظهاره معه. والتقدير: يكون على وجه يصح إظهاره معه (٣٨) .