ونُسِبَ جواز الجزم بعد النفي إلى الكوفيين والزجاجي؛ (٤٥) فأمّا نسبته إلى الزجاجيّ فما هو إلا من قبيل التعميم؛ فلما كان المضارع ينتصب بعد الفاء المسبوقة بطلب أو نفي لتضمنه معنى السببية، وبسقوط الفاء ينجزم بعد الطلب لتضمنه معنى الشرط الذي لا يحسن مع النفي لما ذكرناه سابقاً؛ أدخل النفي مع الطلب عن غير قصد، فقال:" وكل شيء كان جوابه بالفاء منصوباً، كان بغير الفاء مجزوماً "(٤٦) ، فلم يصرح بالنفي في هذه العبارة، ولو قال:" كان فعله بالفاء منصوباً " لكان أدق في التعبير؛ لأن النفي إخبارٌ لا يحتاج إلى جواب كالطلب.
أما قوله:" اعلم أنَّ جوابَ الأمرِ، والنْهي، والاستفهام، والتمني، والعَرْض، والجحد، مجزوم على معنى الشرط ٠٠٠"(٤٧) .
فالملاحظ أنّ عبارة " على معنى الشرط " ملحقة في بعض النسخ، وساقطة من بعضها، فلا يبعد أن تكون كلمة " الجحد " قد أُلحقت أيضاً من قبل النساخ ظناً منهم بأنه قد غفل عن إدراجها ضمن ما ينجزم بعده المضارع، إذ كان ضمن ما ينتصب بعده، وتناقل النحويون ذلك عنه ونسبوه إليه.
وعلى أي حال فقد خطّأه كثير من شراح (الجمل) وتعقّبوه وردّوه عليه (٤٨) .
وأمّا ما نُسب إلى الكوفيين فلم أجده فيما اطلعت عليه من كتبهم.
وأجاز الصيمري في (التبصرة والتذكرة) الجزم بعد النفي، ومثّل له بقوله:" ما أنت جواداً أقصدْك "(٤٩) . وقال أبو حيان:" والصحيح أنّ الجزم بعد حذف الفاء في النفي لا يجوز، ولم يرد به سماع، ولا يقتضيه قياس"(٥٠) .
نستنتج مما سبق أن الجزم بعد النفي غير جائز؛ لأنّ النفي إخبار وليس طلباً، وما نسب إلى الزجاجي والكوفيين مشكوك في صحته، والصواب ما عليه الجمهور.