تعتبر دراسة السيرة النبوية أمرا غاية في الأهمية، لأسباب دينية وتاريخية وإنسانية واجتماعية ونحو ذلك، بيد أن دراستها لأسباب بلاغية وأدبية أمر لا نكاد نجد له أثرا كبيرا في دراسات السابقين، وذلك يعود إلى أن السنة النبوية مدونة بكتب منهجية متخصصة، وقد اعتنى العلماء بشرح تلك الكتب، وتطرقوا في ثنايا شروحهم لأمور أدبية وبلاغية، وأما دراسة السيرة ذاتها، وما تحتويه من مسائل ونكات بلاغية فهو أمر عزف عنه معظم الأوائل الذين انصبت جل جهودهم على جمع السيرة وتدوينها وتهذيبها، لا غير.
وهذا الحكم لا يكاد يستثنى منه أحد، إلا أن يكون الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي الحسن الخثعمي، السهيلي، صاحب كتاب:(الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام) ، فإن كتابه قد احتوى على نكات بلاغية، وقضايا أدبية، ونقدية، وهي جديرة بالتدوين والاهتمام للأسباب التالية:
السبب الأول: أن السهيلي من علماء الأندلس، والمغاربة عموما لهم منهجهم ومذاقهم الأدبي والبلاغي الذي يختلف عن المشارقة إلى حد ما.
السبب الثاني: أن في الكتاب مادة لغوية وأدبية وبلاغية لا يستهان بها، وهي متنوعة وتشمل: الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية والشعر الجاهلي والإسلامي، والأمثال والقصص، واللغة والعروض والمآخذ على الشعراء وغير ذلك.
السبب الثالث: أن السهيلي صاحب حاسة فنية رفيعة، وهو يميل إلى تذوق النصوص وتحليلها خلال شرحه، وهذا ما نحتاجه للتحليل الأسلوبي والنقد الأدبي.