للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختيار المفردات الملائمة للمعاني التي يتطلبها السياق حول موضوع ما أمر في غاية الأهمية، وقد عبر عنه البلاغيون بفصاحة المفرد، وهي: "خلوصه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي" (١) ، ولكن ربما كانت الكلمة فصيحة، بيد أن هنالك ما يوائم المعنى أكثر منها، لذلك تقتضي البلاغة اختيار ما هو أكثر مواءمة، كما في إيثار صيغة: (لا تحزن (على (لا تخف) ، يقول السهيلي: "فعندها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحزن إن الله معنا ((التوبة: ٤٠) ، ولم يقل لا تخف، لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه" (٢)

ويوضح السهيلي الفارق الدقيق بين مفردتين لهما نفس المعنى، بيد أن إحداهما أكثر اختصاصا من الثانية، لذا يتطلب السياق استعمالها، كما هو بين كلمتي رسول ومرسل، يقول: "بين الرسول والمرسل معنى دقيق، ينتفع به في فهم قول الله عز وجل: (وأرسلناك للناس رسولا) (النساء: ٧٩) فإنه لا يحسن في مثل هذا أن يقال: أرسلناك مرسلا، ولا نبأناك تنبيئا، كما لا يحسن: ضربناك مضروبا، ولكشف هذا المعنى وإيضاحه موضع غير هذا، واختصار القول فيه: أن ليس كل مرسل رسولا، فالرياح مرسلات، والحاصب مرسل، وكذلك كل عذاب أرسله الله، وإنما الرسول اسم المبلغ عن المرسِل" (٣) .

ويشير إلى ضرورة التباعد بين الهمزتين في إذا جاءتا في كلمة واحدة لما في ذلك من التنافر، وذلك بتقديم حرف ما عن موقعه، كما جاء في قول زيد بن عمرو: (٤)

وقولا له آأنت سويت هذه ... بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا


(١) لإيضاح في علوم البلاغة، للقزويني، تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي، ص (٧٢) .
(٢) لروض الأنف، (٢/٢٣٢) .
(٣) لروض الأنف، (١/١٢٢) .
(٤) لسيرة النبوية لابن هشام، (١/٢٥٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>