للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما علل السهيلي أسباب اللجوء إلى الاستعارة وفائدتها كما في تعقيبه على قول أبي الصلت بن ربيعة الثقفي، وتروى أيضا لأمية بن أبي الصلت: (١)

يرمون عن شُدف كأنها غبط ... ... بزمخر يُعجل المرميَ إعجالا (٢)

قال: "الشدَف: الشخص، ويجمع على شُدُف، ولم يرد ههنا إلا القسي، وليس شدُف جمعا لشدَف، وإنما هو جمع شدوف، وهو النشيط المرح، يقال: شدف فهو شدف ثم تقول شدوف، كما تقول: مروح، وقد يستعار المرح والنشاط للقسي لحسن تأتيها وجودة رميها وإصابتها" (٣) .

وقد يستطرد السهيلي في موضع واحد إلى ذكر بعض الاستعارات المماثلة في الكلمة الواحدة، فيذكر أكثر من استعارة وقعت في كلام البلغاء، إذا دعت المناسبة إلى ذلك، ويضم النظير إلى نظيره، وهذا ما صنعه عند ذكر قول زيد بن عمرو: (٤)

دُعموص أبواب الملو ... ... ك وجائب للخرق بابه

حيث قال عقبه: "وقوله: دعموص أبواب الملوك: يريد ولاجا في أبواب الملوك، وأصل الدعموص: سمكة صغيرة كحية الماء، فاستعاره هنا، وكذلك جاء في حديث أبي هريرة يرفعه: (صغاركم دعاميص الجنة) (٥) وكما استعارت عائشة العصفور حين نظرت إلى طفل صغير قد مات، فقالت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك؟ إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلا، وخلق النار وخلق لها أهلا) (٦) أخرجه مسلم" (٧) .


(١) لسيرة النبوية لابن هشام، (١/٨٤) .
(٢) لزمخر: القسي أو النبل، والغبط: الهوادج.
(٣) لروض الأنف، (١/٨٥) .
(٤) لسيرة النبوية لابن هشام، (١/٢٦٠-٢٦١) .
(٥) واه مسلم وأحمد بلفظ: [صغارهم] ، انظر: مشكاة المصابيح، (٣/١٧٥٤) .
(٦) فظ الحديث: (أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم) . انظر: مشكاة المصابيح، (١/٣١) .
(٧) لروض الأنف، (١/٢٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>