للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان حمزة رجلاً طِوالاً كما ذكر صديقه عزير ضياء ((فارع القامة، وثيق البنيان عالي الجبهة)) (١) ، وكان فيه جفوة كما يقول، ولهذا يشبّه نفسه بهول الليل، تلك الشخصيّة الأسطورية في الحكايات الشعبية في بلادنا ((بيني وبين هول الليل مُشابه. فأنا طويلٌ مثله، وفي طباعي جفوة ووعورة تصرف الناس عن الاطمئنان إلى عشرتي، فأنا وحيد مظلم النفس، انطوي منها على ما يشبه القبر العميق المهدّم، وفيّ ميلٌ إلى الصمت الطويل ولو أخذت لكنت أبكم ... وأنا حزين منقبض الصدر أحس دائماً بأنني غريبٌ في الحياة، أو عابر سبيل، أو متفرّج حيل بينه وبين ما يدور تحت أنفه من الحوادث، ويستفزني المزاح والمرح أحياناً فأسخر بالحياة، وأستجيب لبواعث السرور لحظات، وهذه اللحظات نادرة في حياتي الآنيّة ... وهكذا هول الليل ... وهول الليل لا ينزل إلى أذى الصغار إنما يعمد إلى الأقوياء فيخيفهم وهو كثير الإعجاب بمن لا يخافونه.. وبمن يسايرونه وينظرون إليه نظراتهم إلى شيء معقول)) (٢)

لا تقولي: أهواك، إن حياتي

واقعٌ قاتم الظلال مخوف

كان لي في الهوى ربيعٌ وولى

وتلاشت أصداؤه والطيوف

فأنا اليوم بين أطلال يأسي

طللٌ للرياح فيه عزيف

طللٌ موحش أفاح به الحزن وأرسى

هذا الضباب الكثيف

استقرت به رغائب روحي

جُثثاً مُثلت بهن الصُّروف (٣)

لقد كان حمزة كثير التأمل والصمت وتمنى لو كان أبكم، لأن الواقع الذي يعيش فيه لا يمكن للغة أن تحيط به، ولكنه إذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، فقد عرف عنه أنَّه كان يتحدث ويحاور لساعات طوال لا يملّ من الجدل والمقارعة، وهذا ما يعرفه هو عن نفسه (٤) ، ويعرفه عنه أصدقاؤه حيث يذكر عبد الله عبد الجبار إنه ليظل يناقش عشرين ساعة بلا كلل أو ملل (٥) .


(١) حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف ص ١٢.
(٢) حمار حمزة شحاتة ص ٢٣.
(٣) الديوان ص ٥٠، ص ٥١.
(٤) المرجع نفسه ص ٧٨.
(٥) نفسه ص ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>