للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحين نقف على نتاج حمزة الفكري والأدبي ندرك أنه نسيج وحده، في بلاغته وذكائه، ومع هذا يرى أن قلّة ذكائه هي مشكلته الكبرى فالذكاء ينقصه حين يكون الذكاء سلاحاً ماضياً في معركة الحياة، ولهذا كان يعتقد - كما يقول - بقدرته على التكيّف مع الحياة التي لا تلبي حريته ولا ترضي عقله، والذكاء في هذه الفلسفة الساخرة عند حمزة يعني “ التنازلات ” والكفر بالقيم والمباديء حين تتصادم مع المصالح، وهو ما يرفضه حمزة، ويضحي بحياته من أجله ولهذا فهو بحاجة إلى الضمير أكثر من حاجته إلى هذا الذكاء وكأنهما أمران لا يجتمعان ((حاجة الإنسان إلى الضمير تنتهي عندما يحصل على مقدار كاف من الذكاء)) (١) وقد يكون الذكاء مرادفاً للمجون وهتك الأعراض والبوائق ((إذا كان جارك ذكياً، وجب أن تكون دائماً على حذر)) (٢) . وقد يكون موقف حمزة شحاتة من هذه الصفة مصادماً لكثير من المفاهيم، ولكنها الحقيقة، فالقيم في حركة دائبة، فالذكاء في عصرنا صار مرادفاً للنفاق الاجتماعي، والانتهازية، وتلوين المواقف، كما صارت الطيبة مرادفة للغباء والضعف، والدروشة.

والصراع النفسي والقلق سمة في أدب حمزة وفي فكره وفي حياته، فهو في شبابه باحث عن المثاليات، وفي شيخوخته حالم بما فات. وحين يتوغل في ذاته، ويكشف لنا أعماقه يقول: ((أحسّ في قرارة نفسي، أني منطو على قطعة مجدبة جافة من الأرض، لا يرف فيها دليل من دلائل الحياة ولا تلح بمعنى من معانيها، وقد تضيق سبلها أحياناً حتى أشعر بانطباقها على جانبيّ ... )) (٣) .


(١) رفات عقل ص ٤٤.
(٢) المرجع نفسه ص ٨١.
(٣) حمار حمزة شحاتة ص ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>