للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الصفات الإنسانية التي يسقطها حمزة على حماره، تنزع إلى الكمال والتفرد في الظاهر والباطن، وهي لا تكشف عن شيء بمقدار ما تؤكد عبقرية هذا المفكر، وخصوصيته في الإدراك، وقد ذهب عبد الله عبد الجبار إلى الربط بين شخصية الحمار وشخصية حمزة شحاتة في كثير من التصرفات ((والذين أتيح لهم أن يخالطوا حمزة شحاتة - من كثب - خليق بهم أن يلاحظوا تلك المشابهة بين شخصيته وشخصية حماره)) (١) .

فإذا كان حمزة مولعاً بالتميّز، وكسر المألوف، ومحباً للانطواء، وشاعراً مرهف الحس، ومفكراً يشن حرباً أهلية ضد الزيف والجمود فإننا نجد حماره ((يميل إلى التفرد والانطواء ومخالفة التيار العام تماماً مثل صاحبه حينما يتقوقع في حدود ذاته، وينطوي على نفسه وكتبه ويتأمل في الكون والحياة ويشرح المجتمع الذي يعيش فيه، ويعري الإنسانية من أرديتها الزائفة حتى تغدو بشريّة سافلة خيرٌ منها ألف مرّة تلك الحيوانية التي لا يحكمها إلا قانون الغاب)) (٢) .

لقد كان حمزة مولعاً بهدم قواعد الإلف وجمالياته، وبناء قواعد وجماليات جديدة تكشف عن خصوصية في التأمل، وتفرد في الإدراك، فالحمار الذي استقر في الوعي الجمالي رمزاً للقبح، والبلادة، يصبح عند حمزة “ كنزاً ” من كنوز الجمال، طمره الإنسان بجهله، وقضى عليه بحكمه الجائر، وهنا تكمن عبقرية الفيلسوف، وبلاغة الأديب، حيث تنهض الحقيقة الجمالية عنده على أنقاض حقيقة أخرى.

جماليات الحياة

الحياة - في كل ما سبق - “ قيمة جمالية ”، وهذه القيمة نتاج بنية مادية أحكمها الخالق عز وجل، وبنية أخلاقية روحيّة أنزلت من أجلها الكتب السماويّة، وأرسل الرسل، ووضعت القوانين، وشرّعت القيم.


(١) نفسه المقدمة ص ١٣.
(٢) نفسه المقدمة ص ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>