للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت جماليات الكون ظاهرة لا تخفى، فإن جماليات “ النفوس ” و “ القيم ” ممّا لا يكاد يبين؛ لما يحصل فيها من تلونات، ويطغى عليها من تحريفات وتطورات، قد تخرج الشيء عن أصله.

“ والحياة ” دار ابتلاء، يكون للجمال الخادع فيها - كما يعبر القرآن الكريم “ في مواضع عدّة ” أكبر الأثر في التردي والسقوط. من هنا يأتي “ جمال الجوهر ” الذي يتجلى في تحقيق الاستخلاف، وإعمار الأرض، وحراسة القيم النبيلة، وهذا “ الرصيد الجمالي ” هو الذي تعاني من مديونيته وعجزه أمم، ودول، وأفراد.

والدين، أساس هذا الرصيد، والفن والفكر أكبر مصادر دعمه وتعزيزه.

وحين نقف على الفلسفة الجمالية “ للحياة ” عند حمزة شحاتة نجدها مجالاً خصباً لكشف جانب آخر من جوانب وعيه الشمولي، وحسه الحيّ. فالحياة عنده كلمة تشع بالدلالات المتعددة وربما المتضاربة نتيجة ارتباطها بسياقات وحمولات ومواقف متباينة، كان فيها حمزة محباً تارة وكارهاً تارة أخرى، وكان في الحالين مفكراً كبيراً، وفناناً مبدعاً.

فالحياة ((هي مجموعة ما تحتويه حياة الإنسان من الصغائر، والتفاهات في شكل متاعب ومسرات)) (١) وهي ((كميادين الحروب، لا اهتمام فيها بمن يسقط، وإنما بمن يبقى قبل انتهاء المعركة..)) (٢) . وهي ((عبارة عن عملية احتراق، حتى في حالة السكون)) (٣) .

وهي بذل وعطاء وتضحية ((أن تبذل كل جهدك، وكل وقتك للعمل هذه هي الحياة)) (٤) .

وهذا البذل ليس للمصالح الشخصية، واستبقاء الحياة الخاصة، وإنما لبناء مجتمع فاضل يمارس حياة كريمة ((أي عمل رائع في أن تناضل لاستبقاء حياتك؟!

العمل الرائع أن تناضل لاستبقاء حياة الآخرين؛ عندما يفرضهم ضعفهم عليك)) (٥) .


(١) رفات عقل ص ٩٧.
(٢) المرجع نفسه ص ٦٤.
(٣) نفسه ص ٧٤.
(٤) نفسه ص ٤٦.
(٥) نفسه ص ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>