إنّ الإسلام في حد ذاته منبع نور وهداية للبشرية، يرى وجوبا أن تتم الدعوة إليه من خلال التطبيق الصحيح له قبل الدعوة إليه بالقول، ويقتضي ذلك الالتزام التام به ظاهرا وباطنا، والتمسك به علماً وعملا، والتحلي بصفاته وآدابه تطبيقا واقتداءً، والدعوة إليه بذلا ونصحا، ولا أدل على ذلك من محمد (.وأصحابه الذين ساروا على نهج إبراهيم (مع الأمم كما قال الله تعالى: (إنّ أولى الناس بِإبراهيم لَلَّذين اتبعوه وهذا النبي والذين ءامنوا والله ولي المؤمنين ((آل عمران ٦٨) .
إذ إن من أسباب مقت الله وغضبه ومن فشل الداعية ودعوته مخالفة الداعية واقعه ومبدأه ومنهجه، ولا أقرب مثلا من أهل الكتاب ومن سار على نهجهم من أهل هذا الزمان من المنتسبين إلى الإسلام حين خالفوا منهج الخليل إبراهيم (فكذبهم الله في دعواهم، فقال تعالى: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ((آل عمران ٦٧) .
وإنما كان (مثالا للهداية والطاعة والشكر والإنابة لله، وإماما يُقتدى به في الخير لاستجماعه خصالها وكمالها، كما قال الله (عنه: (إنّ إبراهيم كان أمّةً قانِتَا لله حنيفا، ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وءاتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لَمِن الصالحين، ثم أوحينا إليك أن اتبع مِلَّةَ إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ((النحل ١٢٠- ١٢٣) .
هذه الآيات الكريمات حين تصف الخليل إبراهيم (بهذه الصفات الجليلة العظيمة، تتضمن أسرارا قرآنية عظيمة، وانطوى تحتها مباني ثابتة متينة لتشيد للدعاة معالم بارزة يهتدون بها في ظلمات الجهل والجهالات لئلا يضلوا، جدير بنا أن تكون لنا وفقة تأمل وتعقل عند كل صفة منها، وهي أربعة عشر صفة: