للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفة صغيرة المبنى كبيرة المعنى قليلة الحروف كثيرة الصروف، صفة جمعت جميع خصال الخير وعناصر الفضيلة وكماله، لأنها من كلام الله لتوفي بالغرض على أتم الوجوه وأبلغها: فهو إمام الخير ومعلمه، كان يوحد الله من بين سائر الناس، وعاملا بما عَلَّمَه الله من الشرائع، كما قال تعالى: (إني جاعلك للناس إماما ((البقرة ١٢٤) . (١) فهو كما قال ابن عباس رضى الله عنهما: كان عنده (من الخير ما كان عند أمة وجماعة كثيرة،.فإطلاقها عليه (لاستجماعه كمالات لا تكاد توجد إلا متفرقة في أمة كثيرة، وكل هذه المعاني تنطبق عليه (٢) .

فهو (خير أهل دينه، جمع من خصال الخير وكمالاتها الحسية والمعنوية ما يعدل بها أمة كاملة،.فهو قد نصب أدلة التوحيد ورفع أعلامها وخفض رايات الشرك، كما قال تعالى: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ((البقرة ١٣٣) . وقال تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وكانوا لنا عابدين ((الأنبياء ٧٣) . أي: قانتين مطيعين خاضعين.

٢- قال (: (قانتا لله... (:

مطيعا خاضعا قائما بأمر ربّه على الوجه الأكمل والأمثل مؤمنا وحده والناس كلهم كفار، داعية إليه مستجمعا لشروط الكمال في نفسه داعيا إليها غيره، مستقيما على دين ربّه حنيفا غير مشرك مثل قومه (٣)


(١) انظر جامع البيان للطبري ج١٤/١٩٠، وأحكام القرآن للقرطبي ج١٠/١٩٧.
(٢) روح المعاني للألوسي ج٥/٢٤٩.
(٣) أحكام القرآن للقرطبي ج٢/٨٦، ١٠/١٩٧، وفتح القدير للشوكاني ج١/١٣٣، ٣/٢٠٢.

ويؤيد هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود (أنه قال: (يرحم الله معاذا!، كان أمة قانتا، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، إنما ذكر الله عزوجل بهذا إبراهيم (، فقال ابن مسعود: إن الأمة الذي يعلم الناس الخير، وإنّ القانت هو المطيع، وهذا وجه حسن في الآية، لأنه إذا كان يعلم الناس الخير فهو يُؤتم به معاني القرآن ج٤/١١١، والمراجع السابقة.
فيستفاد من هذا الحديث: أن كل من اتصف بهذه الصفات التي اتصف بها الخليل إبراهيم (فإنه يشمله هذا الفضل العظيم، وأنه أهل ليكون داعيا إلى الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>