يقف سيد قطب تحت ظلال هذه الآيات فتتجلى له أسرارها فيستنبط: بما لأجله يصف الخليل (ربّه تبارك وتعالى في هذه الآيات وبما لأجله يفتقر الخلق إليه سبحانه، وبما لأجله يستحق العبادة من عباده، (الذي خلقني فهو يهدين (أنشأني من حيث يعلم ولا أعلم فهو أعلم بحقيقتي وتكويني، وحالي ومآلي، ويرشدني وحده إلى كل ما يهمني ويصلحني من أمور مصالح الدين والدنيا والمعاش والمعاد، هداية متصلة من حين نفخ الروح إلى منتهى أجلي، {والذي هو يطعمني ويسقين} فهو الكفيل بأمر الرزق وهو الذي يطعم ويسقي اختصاصاً وملكاً ولا أحد سواه، (وإذا مرضت فهو يشفين (أدب مع الله فلا ينسب مرضه إلى ربّه وهو يعلم أنه بمشيئة ربّه يمرض ويصح، ولكنه يذكر ربّه في مقام الإنعام والإفضال، ولا يذكره في مقام الابتلاء والامتحان (والذي يميتني ثم يحيين (وكان قومه ينسبون الموت إلى الأسباب، إنه التوكل والاستسلام المطلق الشامل واليقين الكامل من قلب قوي قد امتلأ صدقاً وطمأنينة وثقة بالله (١) .
وإن من آثار توكله على ربّه المحض قوله حين عرض له جبريل قائلاً: ألك حاجة؟ إن لحظات الكَربِ والمصيبةِ لحَظَاتٌ عصيبَةٌ، ومِنْ شأنِ المكروب افتراص لحظات الفرج، لكن الخليل (لعظيم إيمانه وثقته بربّه كان جوابه من فوره دون تردد أو تفكير أو تريث: (أمّا إليك فلا) .
فكانت نتيجة هذا التوجه العظيم إلى الله في أشد حالات الكرب والشدة:(قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم (. (الأنبياء ٦٩) .وتَضَامَن الأب مع القوم:(وأرادوا به كيداً (. (الأنبياء ٧٠) . ومع ذلك لم يفقد برّه بأبيه وعطفه على قومه حتى في أحرج الظروف:(فجعلناهم الأخسرين ((الأنبياء ٧٠) .