وأَمَرّ الصبر وأشده صبر عباد الله المخلصين على حقوق الله وحدوده حين يعتدى عليها.
لقد ناظر إبراهيم (قومه في بطلان أمر آلهتهم وألزمهم الحجة وعجزوا عن الجواب، ولكن نظراً لمكانة الآلهة وعظيم شأنها عندهم، ونظراً إلى كبير ما ارتكبه إبراهيم (في حق آلهتهم في نظرهم قالوا: (حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ((الأنبياء ٦٨) . شعور بالعجز والضعف أمام الحق، وتلك سمة الطغاة قديماً وحديثاً، فالذي يتعدى على الآلهة يعاقب بأفظع العقاب وأشده وهو النار.
ذكر ابن كثير عن بعض السلف أنه عرض لإبراهيم (جبريل وهو في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا وأمَّا إلى الله فبلى، وروي أنه قال: (اللهم! أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس أحد يعبدك غيري، حسبى الله ونعم الوكيل) ، وفي رواية قال:(لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ((١)
وهنا تتجلى شخصية إبراهيم (المطبوعة على الحلم والصفح والصبر والتحمل، فإن القوم لم يتركوا باباً من الأذية والتعذيب إلا طرقوه، ولكنه (لم يغضب فيفقد برّه وأدبه مع أبيه، ولم يَدْعُ على قومه بالهلاك مع استحقاقهم لذلك، ولكن فوض أمرهم وأمره إلى الله تعالى.
١٢- (توكله على الله) :
لا حول ولا قوة للعبد مطلقاً لا سيما فيما لا يقدر عليه غير الله، من: الهداية والإيمان والرزق والنفع والحياة السعيدة، ويتجلى هذا الخلق النبيل في حياة إبراهيم (حينما يفوض أمر دفع ضّر المرض وجلب نفع الشفاء وأمر الرزق والمعاش وأمر الحياة والأجل والعمر إلى ربّه سبحانه بقوله: (الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين ((الشعراء ٧٨- ٨٠) .