للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن للعبد حقا على نفسه وهو مقدم على من سواه ثم بعد ذلك يأتي الابتداء بالأقربين ثم من يليهم حتى لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة فيحابيهم في الإنذار والتخويف، كما قال الرازي: "إذا تشدد على نفسه أولا ثم بالأقرب فالأقرب ثانيا، لم يكن لأحد فيه طعن ألبتة وكان قوله أنفع وكلامه أنجع" (١)

وهذا كان دأب السلف في الدعوة يبدءون بأنفسهم ثم من يليهم لأن الاهتمام بشأن القربى وهدايتهم إلى الحق أجل وأولى، وتخصيصهم بالإنذار كما قال القرطبي: "لتنحسم أطماع عشيرته وأطماع الأجانب في مفارقته إياهم على الشرك وامتثال لأمر الله: (وأنذر عشيرتك الأقربين ((الشعراء ٢١٤) (٢) .فإذا حصل قبول وإذعان من القريب كانت استجابة البعيد أسرع، وبذلك تنزاح كل عقبة قعود في سبيله لتصفو له طريق الدعوة ويفسح أمامه مجال التحدي والمنازلة لكل معاند ومخاصم، ولذا بدأ الخليل (بدعوته بأقرب قريب وهو والده، قال تعالى حكاية عنه: (إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا، يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً ((مريم ٤٢- ٤٥) (٣) .

المطلب الخامس: (التحدي)


(١) تفسير الفخر الرازي ج٢٤/١٧٢.
(٢) أحكام القرآن للقرطبي ج١٣/١٤٣، وانظر تفسير الكشاف للزمخشري ج٣/٣٢٨.
(٣) تفسير هذه الآيات في موضوع: (برره بأبيه) .

<<  <  ج: ص:  >  >>