للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لابد من إثبات الحق وإعلائه ولابد من إبطال الباطل ودحضه، فإذا توقف الرفق واللين ولم تنفع الشدة والقسوة، يأتي دور التحدي والمبارزة لمنازلة الخصم وإفحامه وإلزامه الحجة، وهو ما جرى للخليل إبراهيم (مع أبيه وقومه، حيث وقف العناد والمكابرة في وجه الأدلة والبراهين الواضحة فلا بد من تنحيته وإزالته ليأخذ الحق طريقه، فنازلهم وتوعدهم بكسر أصنامهم، ضاربا بذلك كل الاعتبارات الشخصية ووشايج القرابة واعتبارات العشيرة عرض الحائط، متحديا بذلك أقوى قوة مانعة، دفاعا عن دين الله غير مبالٍ بنفسه، وصدر كلامه (بالقسم واليمين بقوله: (وتالله (قسم ويمين، (لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ((الأنبياء ٥٧) . (١) .

المطلب السادس: (تحطيم الأصنام)

إن التطبيق العملي في الدعوة من أبرز سمات الداعية، قال صلي الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه) (٢) وإن من تلك الصور التطبيقية التي نقلها القرآن الكريم للأمة الإسلامية ما ذكره عن الخليل إبراهيم (وهو يتعرض بكل قوة وبسالة لأعز شيء وأكرمه عند قومه آلهتهم، فبين زيفها وأبطلها فكسرها، فَعَلَ ذلك وهو واثق بالله مُوَطِّن نفسه على مقاساة المكاره وتحمل الشدائد في سبيل الله والذب عن دين الله غير مبالٍ بنفسه، فتحدى الطغاة الجبابرة فلم يهب بطشهم وجبروتهم في إبلاغ دين الله، فوقف أمام الأصنام قائلا: (ألا تأكلون، ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين، فأقبلوا إليه يزفون ((الصافات ٩١- ٩٤) .

لقد تسامع القوم بالخبر وعرفوا الفاعل، فأقبلوا بجمعهم الغاضب الهائج إليه يسرعون قائلين: (من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم، قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون ((الأنبياء ٥٩) .


(١) أحكام القرآن للقرطبي ج١١/٢٩٧، في ظلال القرآن لسيد قطب ج٤/٢٣٨٦.
(٢) صحيح مسلم ج١/٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>