تصور إبراهيم (بهذا الحدث العظيم أنهم سيراجعون أنفسهم في أمر آلهتهم، ولكنهم لا زالوا مصرين على أنها آلهة وهي جذاذ يبحثون عمن كسرها وفتك بها هذا الفتك المؤلم قائلين: (قالوا أانت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ((الأنبياء ٦٢) .
فواجه إبراهيم (هذا الحدث بشجاعة وبسالة وبقوة إيمانية وثبات كالجبال الرواسي التي لا تتزعزع، فلم يخف الكثرة الناقمة الغاضبة الهائجة المائجة، فرد عليهم مجيبا بالحق بكل طمأنينة وسكون ثابت الفؤاد غير مبال أو مكترث بهم وجَهّلهم وسفّه أحلامهم، قائلا: (أتعبدون ما تنحتون، والله خلقكم وما تعملون ((الصآفات ٩١- ٩٦) . متوعدا وموبخا ومؤنبا لهم ومنكرا عليهم قائلا:(وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين، فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون ((الأنبياء ٥٧- ٥٨) . (١) .وقائلا:(بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون، فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ((الأنبياء ٦٣- ٦٥) . ولكن القوم آثروا العناد والمكابرة فاندفعوا متهورين إلى الدفاع عن الباطل فواجههم بحقيقة فساد فعلهم موبخا لهم (قال أفتعبدون من دون الله ما لا
(١) روي أنه كان لهم كل سنة يوم عيد يجتمعون فيه، فقالوا لإبراهيم (: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، وكان قد أضمر في نفسه تنفيذ خطة فاحتال عليهم في التخلف عنهم بقوله: (إني سقيم (فلم يخرج معهم، فانتهز فرصة ذهابهم فدخل بيت الأصنام وهي مصطفة فكسر الكل بالفأس ولم يبق إلا كبير الآلهة شأنا وهيكلا، فعلق الفأس في عنقه أو في يده ليبكتهم بقيام الححجة عليهم لأنهم إذا رجعوا ووجدوا ما حصل لآلهتهم فإنهم حتما سيتجهون إلى الصنم الكبير فيسألوه عن الكاسر. أحكام القرآن للقرطبي ج١٥/٩٤- ٩٦، تفسير ابن كثير ج٤/١٣، روح المعاني للألوسي ج٨/١٢٣، ١٢٤، فتح القدير للشوكاني ج٤/٤٠٢، في ظلال القرآن لسيد قطب ج٥/٢٩٩٢، ٢٩٩٣.