للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن لم يكن إذعان للدعوة أو استجابة لرسل الله تعالى أو وقف العناد في وجه الدعوة وبقيت المكابرة مركبا ذلولا لأهل الطغيان، أو انعدم حق الصلة والقرابة، فلا بد من إعلان المفاصلة ولا بد من تنفيذ الموادعة، لتجد الدعوة أرضا خصبة تبذر فيها بذورها، وذلك يتمثل في موقف إبراهيم (حين أعلنها صريحة: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين ((الصافات ٩٩) . (١) .بعد أن كذبه قومه وقد شاهدوا الآيات فتعصبوا للأصنام وَلاءً لها وانتقاما من أجلها، لأن قضية التوحيد فوق كل القضايا وطلب العزلة حفاظا على دين الله أمر واجب: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي، عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ((مريم ٤٨) . (٢)

وهذه المفاصلة والموادعة إنما هي إفصاح عن الحب والبغض في الله وتحقيق لمبدأ الولاء والبراء الذي أخبر الله عن خليله (بقوله: (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ((التوبة ١١٤) . ويؤكد هذا ما جاء في قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني بَرَآءٌ مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ((الزخرف ٢٦- ٢٨) (٣) .


(١) أحكام القرآن للقرطبي ج١٥/٩٧، وفتح القدير للشوكاني ج٤/٤٠٣، روح المعاني للألوسي ج٨/١٢٦، في طلال القرآن لسيد قطب ج٥/٢٩٩٤.
(٢) عسى (هذه موجبة لا محالة فإنه (سيد الأنبياء بعد نبينا محمد (، ولكنه (صدر بها لإظهار التواضع ومراعاة حسن الأدب، والتنبيه على حقيقة الحق من أن الإثابة والإجابة بطريق التفضل منه عز وجل، لا بطريق الوجوب وأن العبرة بالخاتمة، وذلك لا يعلمه إلا الله. تفسير ابن كثير ج٣/١٢٤، فتح القدير للشوكاني ج٣/٣٣٦، روح المعاني للألوسي ج٦/١٠٢.
(٣) تفسير ابن كثير ج٢/٣٩٣، فتح القدير للشوكاني ج٢/٤١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>