ولقد أدرك الخليل (أهمية الدعاء ومكانته عند الله تعالى، فابتهل وتضرع إلى الله تعالى امتثالاً لأمره وتعليما للعباد، وكرر النداء في دعائه وإنّ تكرار النداء له معنى ومغزى، وقدم ما حقه التقديم في الدعاء فصدر دعواته بهذا النداء الجميل اللطيف حرصا ومبالغة منه في الضراعة والابتهال فقال: (رب اجعل هذا البلد آمنا..... ((إبراهيم ٣٥) . لأنه ترك تَرِكَتَهُ وأهله بهذا الوادي المقفر المجدب الذي لا أنيس فيه، ثم قفل منطلقا فتبعته هاجر رحمة الله عليها قائلة: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي؟، قالت له مرارا، وجعل إبراهيم (من شدة الوجد والحزن لا يلتفت إليها فقالت له: آلله أمرك بهذا؟، قال: نعم. قالت في يقين وإيمان كامل: (إذا لا يضيعنا) ثم رجعت، وانطلق (حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ورفع يديه يناجي ربّه بعيدا عن عيون الناس بعيدا عن أسماعهم يخلص فيها لربّه، ويكشف له عما في صدره، يبوح لحبيبه عما أصابه من اللأوى والحزن، يناجي ربّه في قرب واتصال: (رب (بلا واسطة حتى ولا بحرف نداء، وإن ربّه ليسمع ويرى من غير دعاء ولا نداء، ولكن المكروب يستريح ببيان ما في صدره (١) .
فاستهل طلبه بأمور عدة منها أن يجعل الله هذا البلد- المكان القفر الموحش - مستوطنا مؤنسا معمورا محبوبا آمنا من القحط والجدب والغارات ومن الخوف فلا يرعب أهله حتى يتمكنوا من أداء العبادات فقال:(رب اجعل هذا بلدا آمنا ((إبراهيم ٣٥) . فإذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء من أمور الدين والدنيا.