للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يشعرنا الخليل (من خلال بنائه للبيت تصور دوام النقص والعجز عن إتقان العمل، والافتقار إلى رحمة الله في القبول، ليكون العبد بين الخوف والرجاء: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم ((البقرة ١٢٧) . (١) .فهو (في أجل الطاعات ولكنه مع ذلك يقدم في دعائه صيغة التفعيل المشعر بالتكلف في القبول والتقصير في أداء العمل وبالضمائر المؤكدة التي تفيد الحصر: (تَقبّل منا إنك أنت السميع العليم ((٢) .فغايتنا من العمل هو تنفيذ أمرك، فكلل عملنا بالنجاح والقبول، وأرنا أثر ذلك في معالم الحج، ليبقى ذكرا وذخرا لنا: (ربنا وجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ((البقرة ١٢٨) (٣)


(١) وعن وهيب بن الورد أنه إذا قرأ هذه الآية، ثم يبكى ويقول: يا خليل الرحمن ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك؟، تفسير تفسير ابن كثير ج١/١٧٥.
(٢) كما حكى الله عن المؤمنين بقوله: (والذين يؤتون ما آتَوّا وقلوبهم وَجِلَة ... (المؤمنون (٦٠) ، أي: يعطون ما أعطوا من الصدقاًت والنفقات ويؤدون حقوق الله عليهم في أموالهم، ومع ذلك فهم خائفون وجِلون أن لا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء، عن عائشة رضى الله عنها في هذه الآية، قالت: يا رسول الله هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟، قال: (لا يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله) وفي رواية: (وهم يخافون ألا يتقبل منهم) .تفسير ابن كثير ج٣/٢٤٨.
(٣) انظر جامع البيان للطبري ج١/٥٥٣، ٥٥٤، وذكر الألوسي: أن التوبة تختلف باختلاف التائبين: فتوبة سائر المسلمين: الندم والعزم على ألا يعود، ورد المظالم إن أمكن ونية الرد إذا لم يمكن. وتوبة الخواص: الرجوع عن المكروهات من خواطر السوء والفتور في الأعمال، والإتيان بالعبادة على غير وجه الكمال. وتوبة خواص الخواص: لرفع الدرجات، والترقي في المقامات، فتوبة إبراهيم وإسماعيل من القسم الأخير. روح المعاني للألوسي ج١/٣٨٦.
وذكر القرطبي: أن المراد بالتوبة هنا هو طلب التثببت والدوام وهذا وجه حسن، وأحسن منه: أنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت، أرادا أن يُبيّنا للناس ويعرفاهم، أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة. أحكامه ج٢/١٢٧، ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>