للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- ما كان تحويل النار برداً وسلاماً على إبراهيم (إلا مثلا له نظائر في صور كثيرة، ولكنها قد تهز مشاعر العبد كما هزت هذه الواقعة الرائعة والكرامة الإلهية، فكم من ضائقات وكربات تحيط بالشخص من شأنها أن تكون القاصمة القاضية، وما هي إلا لحظات يسيرة فإذا هي تُحْيِي ولا تُمِيت وتنعش وتعود بالخير، قال تعالى: (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ((هود ١٠) . وفي الحديث عنه (أنه قال: (تجيء فتن يرقّق بعضها بعضا فيقول المؤمن: هذه مُهْلِكَتي، ثم تنكشف ثم تجيء فتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف- وفي رواية- فيقول المؤمن: هذه هذه) (١) .

٤- ليكن في حسبان الداعية أن طريقه محفوف بالمخاطر مفروش بالأشواك، ففي كل لحظة وساعة يتوقع وقوع الخطر، وليكن أسوته الخليل إبراهيم (في ذلك، لا يثنيه تخويف المرجفين ولا يرده بطش الجبارين.

٥- إن من أسباب نجاح الداعية عدم المبالاة بتعاظم الأخطار، كحال الخليل (فإنه لم ينزعج ولم يضطرب مع أنه يعاين بعينيه ما ينظم له من الخطر وما يُنْصَبُ له من النكال.

روي أن الأسود بن قيس ذا الحمار تنبأ في اليمن فبعث إلى أبي مسلم الخولاني، فلما جاء قال: أتشهد أني رسول الله؟، قال: ما أسمع، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟، قال: نعم، قال فردد ذلك مرارا، فامر بِنَارٍ عظيمة فأججت ثم ألقي فيها فلم تضره، فأمره بالرحيل فأتى المدينة وقد مات النبي (واستُخْلِف أبو بكر (فقال عمر (لأبي بكر: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من فُعِل به كما فُعِل بإبراهيم (٢)


(١) صحيح مسلم ج٣/١٤٧٣، وابن ماجه ج٢/٣٦٩.ومعنى (فتن يرقّق بعضها بعضا) : أي يصير خفيفا لِمَا يعقبه، أو يُشَوّق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويلها. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج٢/٢٥٣.
(٢) تهذيب التهذيب لابن حجر ج١٢/٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>