ثم ينتقل القرآن الكريم فيصور لنا صورة نادرة من دعاء الخليل (تنبيء عن خوفه ووجله بأن يكون قد قصر في أداء العمل مع بذله قصارى جهده في تبيلغ الرسالة وأداء الأمانة، وهذا هو شأن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فهم على بذل غاية الجهد وتحمل كبير المشقة في تبليغ الرسالة يخافون التقصير، كما أخبر الله عنهم بقوله: (وكأين من نبي قاتل معه رِبيُّونَ كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفرلنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين (. (آل عمران ٠١٤٦، ١٤٧) .
فيدعو الخليل (ربّه خائفا وجلا مشفقا مستحيا، بأن يجيره من جميع خزي يوم القيامة وهَوَانِه، وأن لا يفضحه على رؤوس الأشهاد بالعتاب إن هو قصر في تبيلغ الدعوة وأداء الأمانة، فيقول: (ولا تخزني يوم يبعثون ((الشعراء ٨٣) . (١) .
المطلب الثاني عشر:(دروس وعِبر عَبْرَ قصة الخليل ()
إنّ في منهج إبراهيم (في الدعوة إلى الله دروسا وتوجيهات، مشاهد وعبرا تحمل في طياتها أسرارا عميقة ومواقف ثابتة في الدعوة والطاعة والاصطبار منها:
١- إن أعمال الله غير خاضعة لمقاييس البشر وعِلْمِهم القليل المحدود.
٢- يجب على المؤمن أن يتوكل على الله في كل شئونه بحسن معاملته وتوثيق صلته ويصلح الذي بينه وبين ربّه من أمره في السر والعلانية لا ينوي به إلا وجه الله، فيكفيه الله ما بينه وبين الناس.
(١) فتح القدير للشوكاني ج٤/١٠٥، ١٠٦، روح المعاني للألوسي ج٧/٩٨- ١٠٠، في ظلال القرآن لسيد قطب ج٥/٢٦٠٣، ٢٦٠٤.