للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ولعل في هذا السلوك الذي عبرت عنه هذه النتفة ما يعد مظهراً من مظاهر رقة الدين التي تحدث عنها الرواة. فقد غابت عنها المعاني الدينية وعكست ألفاظها طبيعة أخلاق أبي الطمحان ونظرته إلى الحياة.

كذلك وصل إلينا من شعره مقطوعة يبدو أنه قالها بآخرة من عمره. يعبر فيها عن انحرافه الخلقي ويجاهر فيها برغبته بشرب الخمر قبل أن يقضي نحبه. وإذا كان الشعر يمثل فكر صاحبه والشاعر أحياناً لا يتحدث من فراغ، فإن مضمون تلك المقطوعة وألفاظها ومعانيها، حتى على افتراض أن الشاعر قالها على سبيل المجاز، تتصادم مع الدين والقيم والأخلاق والأعراف. تتصادم مع الدين لأنه لا يرى في الخمر رجساً من عمل الشيطان. وهي في المقابل ضد الأخلاق والتقاليد لأن شيخاً يدنو أجله، ويعيش في آخر أيامه، يتهالك على الملذات، ويعكف عليها، ويدعو لها. إنه على الأقل بهذه الواقعية يعري نفسه ويبتذلها، ويعبر عن حاجاته الطبيعية. وهو في هذا يخالف القيم والمثل التي تعارف عليها الناس وألفوها. يقول (٨) : [الطويل] .

ألا عَلّلاني قبْلَ نَوْح النَّوائِحِ

وقبَل ارتقاءِ النفس بين الجوانحِ

وبعد غدٍ يالهفَ نفسي على غدٍ

إذا راحَ أصحابي ولستُ برائحِ

إذا راح أصحابي تَفِيضُ عُيونُهم

وغُودِرتُ في لحدٍ على صَفَائِحي

يقولونَ: هل أصلحتُم لأخيكُم

وما القبُر في الأرضِ الفضاءِ بصالحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>