ولم أقف على أثر لهذا الشعر في المصادر القديمة التي اطلعت عليها. وتفيد رواية ابن قتيبة أن أبا الطمحان القيني، ظل بعد إسلامه رقيق الدين. فقصته مع المرأة التي نزل بها فآوته وأكرمته، فسطا على شرفها ومالها ثم هرب، تنافي المروءة التي عرف بها الصعاليك، كما تصور في الوقت نفسه إسفافه وابتذاله، وتمرده على الأخلاق والأعراف واستهانته بهما. هذه القصة التي يبدو أنها حدثت في الإسلام ارتبطت باسمه وتناقلها الرواة عن ابن قتيبة (٦) وفيها دلالة على سوء سلوكه وفساده وفسقه فقد قيل له: ما أدنى ذنوبك؟ قال: ليلةُ الدّيرْ، قيل له: ما ليلة الدّيْر؟ قال: نزلت بدَيْرانيةٍ، فأكلت عندها طَفَيْشَلاً بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كساءها، ومضيت! ,,
لقد عكست تلك الرواية مع نماذج قليلة وصلت إلينا من أشعار يرجح أنه قالها في الإسلام، خبث دينه وفساد عقيدته. أول تلك النماذج نتفة من بيتين قالهما في أواخر حياته. لقد أظهرت تلك النتفة أن أبا الطمحان كان من المعَّمرين وقد أوغل في الحياة الإسلامية وامتد به العمر. ومع ذلك غلب على شعره، قلة الشعور الديني، إذْ لم تُظْهِرْ تلك النماذج على قلتها تأثره بالإسلام وتعاليمه. بل لعلني لا أبعد عن الحقيقة حينما أزعم أن هذه النتفة وأمثالها من شعره تؤكد خبث أبي الطمحان وفساد طويته، وتجلي تلك النزعة التي عرف بها عند الرواة. في هذه النتفة يتفجع الشيخ على شبابه الذي غاب ربيعه ويجزع من شيبه وتقارب خطواته. هذان البيتان قالهما بعد أن داهمته الشيخوخة وكان يتوقع من أمثاله وقد قرب أجله أن يحذر الموت ويترقبه، ويخاف من الحساب وعذاب القبر ويؤمل الخير وحسن الخاتمة. يقول (٧) : [الوافر]