وقد شاع بين الرواة أن النجاشي كان فاسقاً رقيق الإسلام (٦٢) أما أشعاره التي وصلتنا فإنها على قلتها تبرز سوء أخلاقه وطباعه، إذ تصوره قبيحاً فاحشاً يميل إلى الطيش والسفه، يهتك الحرمات، ويتمرد على القيم، ولا يبالي بمُثُل أو أعراف وكانت فوق ذلك تعبيراً عن سلوك تجاوز كل الحدود التي رسمها الإسلام من قَبْلُ للشعراء، وبدا هذا السلوك في مظاهر مختلفات: إجماع الرواة على ذلك الخبر الذي تواترت روايته في أمهات المصادر. فقد روي أنه شرب الخمر في رمضان فأقيم عليه الحد، وجلده علي رضي الله عنه مائة سوط (٦٣) . إجماع الرواة هذا يثبت الخبر ويؤكد صحته. وفي طبيعة شعره، فقد اشتهر بالهجاء في عصر يعتبر فيه الهجاء جريمة يعاقب عليها فاعلها، ويبدو شره وسفهه في هجائه لأهل الكوفة (٦٤) وفي هجائه لبني العجلان الذين عرفوا بتعجيل قرى أضيافهم، إلى أن هجاهم به النجاشي، فضجروا منه وسُبوا به واستعدوا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسجنه، وقيل إنه حده (٦٥) . واشتهر النجاشي بهجائه لتميم بن أبيّ بن مقبل (٦٦) وعبد الرحمن بن حسان ابن ثابت (٦٧) وقريشٍ (٦٨) ومعاوية رضي الله عنه (٦٩) .
لقد جانب النجاشي في شعره الحياة العامة للمسلمين فجاهر بشرب الخمر في عصر لم تعد فيه المجاهرة بذلك مقبولة، وانصرف إلى الهجاء، وأحيا، رغم إسلامه، روح الجاهلية ورواسبها. وقد عكست المقطوعات الشعرية التي احتفظت بها المصادر قبح هجائه وفحشه، كما صورت رقة دينه وفساد أخلاقه، وسوء علاقته بالآخرين، وكانت امتداداً لصورة الهجاء القديم أو بعثاً لها. لقد استعاد الهجاء أنفاسه على يد النجاشي، وتحول إلى سباب وبذاءة يبلغان حد الإقذاع، ومن ذلك هجاؤه أهل الكوفة:[البسيط]