لقد حبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه النجاشي لهجائه لبني الحارث، وهدده بقطع لسانه إن عاد مرة أخرى للهجاء. إن النجاشي في هجائه بني العجلان لم يعمد إلى سباب أو شتم، بل حط من قدرهم وسخر منهم، ووصفهم بقلة الخير والخساسة واعتمد في ذلك على التصوير الحسي القائم على دلالة أخلاقية اجتماعية. [الطويل]
إذَا الله عادَى أهْلَ لُؤْمٍ ودِقَةٍ
فعَادى بَنِي العَجْلان رهْطَ ابن مُقْبِل
قُبَيلَةٌ لا يَغْدِرُون بِذِمَّةٍ
ولا يَظْلِمُون الناسَ حَبَّةَ خرْدَلٍ
ولا يَرِدون الماءَ إلا عَشِيةً
إذَا صَدَرَ الوُرادُ عن كُل مَنْهلٍ
تَعَافُ الكِلابُ الضَّارياتُ لُحُومَهُم
وتأكُلُ مِنْ كَعْبٍ وعوْفٍ ونَهْشَلِ
وما سُمِّي العجْلانَ إلا لقولِهِم
خُذِ القَعْبَ، فاحْطُبْ أيُها العبدُ واعْجَلِ
لقد وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقفا حازماً من كل شعر يمكن أن ينبش أحقاداً مضت، أو يؤجج عداوات تثير العداء والبغضاء، وتسهم في إعادة الروح الجاهلية أو ترسخ عاداتها وتقاليدها. ولقد أخذ بالعقاب كل شاعر حاول أن يصرف الشعر عن موضوعاته التي تتصل بالحياة الإسلامية، ويعود به إلى بعض وظائفه الجاهلية التي يأباها الإسلام كالهجاء المقذع والغزل الفاحش المبتذل والمنافرات القبلية. وأمام خروج بعض الشعراء عن الإطار الخلقي الذي رسمه الإسلام حاول عمر رضي الله عنه أن يصل بالشعر إلى معادلة جديدة تربط الشعر بالحياة الإسلامية، وتحول بين الشعراء وبين الانعتاق من أوامر الشريعة وفرائضها، أو الاندفاع مع رغبات النفوس وأهوائها.