للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنّ عُقوقَ الأمَهاتِ كَبِيرُ

وإنّكَ كلْبٌ قد ضَرِيتَ بما تَرى

سَمِيِعٌ بِمَا فَوْقَ الفِرَاشِ بَصيرُ

إذَا عثّنَتْ من آخر الليل دُخْنَةً

يَبِيتُ لها فوقَ الفِرَاشِ هَرِيرُ

إن هذا الشعر والنماذج الأخرى التي سقطت إلينا من شعر ضابئ بعيدة كل البعد عن فكر الإسلام وتصوره لطبيعة الشعر. فالإسلام الذي كان يستهدف الغاية الأخلاقية هذب أخلاق أتباعه، وأمرهم بالصدق في القول والعمل، وحذرهم من كل صنوف البغي، وقرن شرف المعنى في الشعر بالبعد الأخلاقي حتى في موضوع الهجاء. فالرسول (حينما دعا حسان بن ثابت لهجاء قريش أمره أن يلقى أبا بكر ((يعلمه هنات القوم)) (٧٥) وقد جاء ذلك كله بأداء تعبيري يغلب عليه نقاء الألفاظ وعفة المعاني. وحينما تفرد حسان رضي الله عنه من بين شعراء المسلمين وأقذع في هجاء أعداء الإسلام، وعرض للعورات، وكشف السوءات كان أشد الناس بعداً عن التهافت والسقوط التي وصل إليها ضابئ في هجاء أم ولد عبد الله بن هوذة.

هذا الجانب الفاحش الذي ورد في شعر ضابئ أو في شعر النجاشي عندما هجا أهل الكوفة، يعدان أمراً غريباً في ظل الإسلام وفي صدره الأول بالذات. ولعل تسامح عثمان رضي الله عنه، ولينه الذي اشتهر به شجع بعض شعراء الأعراب الذين عرفوا بضمور الوازع الديني على مثل هذا اللون من الهجاء الذي تنكره الأخلاق الفاضلة والتعاليم الدينية. إن تمزيق الأعراض وهتك الحرمات على هذه الشاكلة التي وردت في شعر ضابئ وفي شعر النجاشي أيضاً ما كان لهما أن يظهرا بهذه الصورة الجريئة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. لقد ظل التلازم قائماً بين وظيفة الأدب والشخصية الإسلامية في عصر عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>