للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب أنها نزلت في أبي جهل لما قال: أيوعدني محمد؟ وليس بين جبليها أعز ولا أكرم مني، فلمّا عذبه الله قال: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) في زعمك الكاذب.

قلت: إن سباق الآية، أو سياقها لا يساعد على تخصيص نزولها بأبي جهل، فهي عامة في كل كافر: (إنّ شجرت الزَقوم * طَعام الأثيم * كالمُهل يغلي في البُطُون* كغلي الحَميم * خُذُوهُ فاعلتوُه إلى سَوَاءِ الجَحيم * ثُم صُبوا فَوقَ رأسه من عَذاب الحميم * ذُق إنَّك أنت العَزيزُ الكريم) (٥٤) .

فالعذاب بالأكل من شجرة الزقوم عام للآثمين جميعا، والتقريع بقوله: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) ، شامل لكل واحد منهم بدون استثناء. ولو فرضنا - جدلا - أن الآية نازلة في أبي جهل، فلا تعارض بينها وبين الآيات الأخرى، ولا اضطراب في معناها. فالآيات التي تقرر الذل والهوان للمعذبين في النار، تقرر حقيقة مادية واقعة،لا ريب فيها، والآية موضوع البحث، تحكي موقف الملائكة - ملائكة العذاب طبعا- وهي تسخر من المعذبين في النار، وتذكرهم بحالهم في الدنيا من عز وغنى وجاه وسلطان وكرامة، وفي هذا النداء والتذكير: زيادة عذاب، ومضاعفة هوان.

وهو أسلوب عربي بليغ معروف، ويسمي بتأكيد الذّمّ بما يشبه المدح، ومنه قول الشاعر:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

وفي المقابل: تأكيد المدح بما يشبه الذم، ومنه قول الشاعر أيضاً:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب (٥٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>