يقول (: أيها الناس إّنّما أنا بشر، وإنكم تختصمون الى.... ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأقضى له على نحو ما أسمع. فمن قضيت له بحق أخيه، فلا يأخذه...فإنما أقضي له بقطعة من النار.
ولكن الله بالمرصاد لكل جارم ولكل ظالم، فما هم نبيه - الذي لا يعلم الغيب - أن يفرض عقابا على زيد المتهم البراء حتى أدركه بوحيه ونهيه... ولما كان النفاق - في نفس صاحبه - مرضا لا تشفيه الآيات البيّنات، بل تزيده إلى رجسه رجساً، وإلى تعسه تعساً، وإلى استكباره نفوراً: مرّ طعمة بالآيات المبرئة لزيد، والمرغبة له في التوبة، والاستغفار كأن لم يسمعها، وفر إلى مكة معلناً كفره الصراح، ومعيدا جريمته في بيت مضيفه (الحجاج السلمي) ، لم يرع فيها حرمتين: حرمة الفعلة، وحرمة التضييف. هذه قصة زيد بن السمين اليهودي المتهم، الذي برّأه القرآن. كتاب الإسلام، دين العدل بين الناس جميعا. وهذا هو القرآن يرمز لهذا العدل ويخّلده:(إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً) الخ.
ذلك فصل من فصول القرآن في قضية قد يحسبها العابرون بتلاوته هينة، وهي عند الله عظيمة.. الله الذي يعدل في محاكمة عباده، بين مسلمهم ويهوديهم ونصرانيهم، ويريد من عباده أن يعدلوا. الله الذي لا تناله في أحكامه الهدايا وصلات القرابة والصحابة، ويريد منا ألا تنالنا - الله الذي يقول الحق ويهدي السبيل ويريد منا أن نقول الحق، ونهدي السبيل.
انظروا ماذا في دنيانا بين الناس من مظالم؟ مظالم يبكيها الضعفاء ولا يباليها الأقوياء.. مظالم سببها (الميل) ولا شيء غير الميل، الميل في جانب الكسب للأنفس والكسب للأموال ... من حرام وحلال.
إننا نريد أن نكسب أنفس رؤسائنا وأصدقائنا، ولو بالكذب والظلم نكذب في مدحهم وقدح أعدائهم - على عكس الواقع - لنرضيهم، ونظلم أعداءهم بما ننزل بهم من حيف، ونمنعهم من حق، لنسر أولئك الأقرباء والأصدقاء والرؤساء.