للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بيت أبيرق هؤلاء، بيت فاقة في الجاهلية والإسلام، والفاقة - كما تعلمون- إحدى السبل، بل أهدى السبل إلى (النفاق) وإلى الاستراق. هي إحدى السبل إلى النفاق لصاحبها الذي يستطيع أن يأكل بلسانه، يحركه بالكذب في المدح والقدح وهي إحدى السبل إلى الاستراق لصاحبها الذي لا يقدر على صناعة الكلام، فيعتاض عنها بيده يحركها في أموال الناس هنا وهناك التماساً أو اختلاساً.

ولذلك حقت الكلمة المأثورة (كاد الفقر أن يكون كفراً) ، وكذلك مدّ طعمة بن أبيرق، في ظلام الليل يده إلى درع قتادة بن النعمان، وكانت في جراب تملؤه نخالة دقيق، فجعلت النخالة تتناثر من ثقب في الجراب على طول الطريق، حتى انتهى طعمة الى داره، فبدا له أن ينصرف (بفضيحته) من بابه إلى باب جاره اليهودي (زيد بن السمين) ليأتمنه عليها الى ميعاد. وحين أصبح قتادة افتقد درعه، ووجد النخالة - اثر جرابها - تخط خطاً فاتبعه، فإذا هو يهديه الى دار طعمة، وإذا طعمة يحلف بالله ما أخذها، وما له بها من علم، ثم اتبع قتادة بقية الأثر الى منزل اليهودي (زيد) ، فطرق الباب، وكان جواب زيد بعد خطاب قتادة في شأن درعه: إنها وديعة طعمة لديه!! لقد افتضح طعمة! وأسفت الفضيحة قومه، فأوحى إليهم أسفهم، أن ينكر صاحبهم الوديعة، وأن يعجلوهم إلى النبي (، ليجادلوا بين يديه عن طعمة، ويرموا بإثمه اليهودي، وتناسوا أن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة. وساعفهم في مسعاهم، ما غلب في ذلك العهد على المسلمين - ولم يكونوا هم من صادقيهم- من أمانة وصدق، وما غلب على اليهود من خيانة وكذب، مما حبّب الى النبى عليه الصلاة والسلام أن يكون الفلح في هذه القضية للمسلمين على اليهود.

ولم يكن النبي (إلا بشراً يقضي بين الناس بنحو مما يسمع، ولعل بعض هؤلاء الناس ألحن بحجتهم من بعض وكذلك كان قوم طعمة الخونة ألحن بحجتهم من زيد بن السمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>