وإذا كان هذا الرأي يمثل الجانب التنظيري في القضية، فإن الجانب العملي والتطبيقي يتجسد في نزوع أحمد جمال نحو إصدار كتاب (أدب وأدباء) ، ليدلّل بأسلوب عملي على أن جذوة الأدب في دخيلته لم تخب، وأن اهتمامه الأدبي لا زال متأججا في دخيلته، لم تطفئه بقية الاهتمامات، وإنما ظل مستعراً، ليمدها بطاقة الاستمرار، وروافد العطاء، من أفكار وأسلوب يخيم فوقهما الوضوح بدرجة لا تقبل التأويل، ولا تنطوي على التواء ومواربة، يلجأ معها الدارس إلى الاستنباط وكدّ الذهن في الوصول إلى مضامينه، وترهقه في الكشف عما يتوارى خلف السطور، بل تريح الدارس بتقديم الفكرة واضحة، والرأي جليا، والكلمة نقية من الالتباس والتضاد.
ولذلك فعوز الدارس لإنتاج أحمد جمال إلى الاستشهاد بأقواله وآرائه، يفوق الاعتماد على الاستنباط والتأويل.
وولوج أحمد جمال عالم الفكر جعل عبارته الأدبية في تناوله لقضايا الأدب، تتساوق مع التوجه الفكري، بتجانسها مع الوضوح والمباشرة في الوصول إلى الفكرة، شأن كل من يتصدى للقضايا الإسلامية، ونأى بعبارته عن ظلال الأدب، بما تنطوي عليه أساليبه من محسّنات، أو غموض، أو اهتمام لفظي، تتوارى المعاني عن البروز بوضوح بين ثناياه، أو تستوجب إعمال الفكر للوصول إلى المرامي والمعاني، لغموضها أو لصعوبة الوصول إليها إلا بالتحليل والاستنباط.
وللوقوف على هذا الملمح من خصائص أدب احمد جمال نلتمسه في كتابه أدب
وأدباء، وهو يتناول فكرة تهمّ هذا البحث، حينما يرد على تساؤل أحد أقرانه من الأدباء، بتساؤل آخر هو (هل يبدأ الأديب شاعراً؟) ويجيب: