(إن الأديب في الأعم الأغلب يبدأ شاعراً، لا أن الأديب ينبغي أن يكون شاعراً، أو إلا فما هو بأديب، ودليلي على رأي هو أن كثيراً من أدبائنا السعوديين بدأوا شعراء ثم اشتغلوا بالنثر، وانصرفوا عن الشعر ... وفي مقدمتهم الأساتذة عبد الله عريف، ومحمد عمر توفيق، وعلى حافظ ومحمد على مغربي والساسي والزواوي والرفاعي وغيرهم، ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن.
وكذلك شأن الأدباء العرب أيضاً، كالعقاد والمازني وزكي مبارك وأمثالهم، فقد بدأوا شعراء، ثم انصرفوا عن الشعر إلى النثر.
وعلة ذلك ... ازدحام الحياة بأسباب هذا الانصراف عن نظم القوافي وتصيّد كلمات القافية الواحدة، ومراقبة الوزن.. بما يشبه المخاض!
إن ازدحام الحياة بالمشكلات والمطالب الحيوية للمجتمعات أرغم هؤلاء الأدباء على الاندفاع في تيارها، والاشتراك في معالجة شؤونها - بالأسلوب السهل الميسر- وأعني به النثر.
وبالمناسبة كنت قد أصدرت مجموعة أشعاري في عام ١٣٦٦هـ باسم (الطلائع) ، على أمل أنه الجزء الأول، وأني اتبعه بأجزاء أخرى، فإذا به رغماً عني يكون (الخواتيم) ، فلم أعد أطيق الانحباس لنظم بيت واحد من الشعر (٧٤) ؟
الموازنة والنتائج:
وهذه الشواهد تؤكد أن الأستاذ أحمد جمال يتبوأ منزلة وسطى، بين من انتقلوا من ساحل الشعر إلى ساحل الفكر الإسلامي، أو من دوحة الشعر الى خندق الفكر الإسلامي، وتحديداً بين الأستاذ سيد قطب والأستاذ مصطفي صادق الرافعي ليس على سبيل المفاضلة في المكانة والقيمة الأدبية والعلمية، وإنّما في تنوع موضوعات التأليف، ونصوص التناول الفكري.
فإذا كان الأستاذ سيد قطب بارح عالم الشعر إلى ساحة الدراسات البيانية للقرآن، كما في (التصوير الفني للقرآن) و (مشاهد القيامة في القرآن) ، أو في تفسيره المشهور (في ظلال القرآن) .