للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأستاذ مصطفي صادق الرافعي غادر عالم الشعر إلى توجهين متباينين، هما رومانسيته كما في (السحاب الأحمر) و (أوراق الورد) ، وصرامته في الدفاع عن الإسلام، كما في رده على الدكتور طه حسين في (تحت راية القرآن) ، فإن ساحة التناول عند أحمد جمال امتدت بامتداد المسافة بين الشعر والفكر، وتعددت موضوعاته بين فكرية وتربوية واقتصادية وأدبية، إضافة الى الركيزة الأساسية التي أوى الى ركنها الثابت، وحصنها المستقر، وهي التفسير والدراسات القرآنية والفقهية والسنة وشئون الدعوة والأقلياّت الإسلامية، وما يرتبط بهذه الموضوعات.

ولذلك فقد احتذى الوسطية في توجهه الأسلوبي، أو لنقل إن المناخ العام قد هيمن على تشكيل وبلورة توجهه الأسلوبي وفقا للموضوعات والطروحات التي يناقشها، ويخوض غمارها.

ونخلص من ذلك، الى أن المسافة بين الشعر والفكر تقاس بوحدتي اللفظ والخيال، إذ أن العقل هو ذات العقل القادر على الخلق والتوليد، كما يري تشومسكي في نظريته عن خواص اللغة: (الخاصية العامة الثانية للّغة الإنسانية التي سنتحدث عنها هنا هي طابعها الإبداعي (أو لا محدوديتها) ، ويقصد بذلك مقدرة جميع الناطقين بلغة ما على تكوين عدد ضخم غير محدود من الجمل، أو فهمه، دون أن يكون قد سبق لهم أن سمعوا بها من قبل، بل ربما لم يسبق أن تحدث بها أحد) (٧٥) .

إلا أن مجال الشعر يستدعي الخلق والتوليد، والابتكار اللفظي والخيالي، فاللفظ هو الحد الفاصل بين الخطاب النثري والخطاب الشعري، كما تبيّن لنا فيما سبق، كما أن الخيال هو أداة التحليق من عالم الواقع المعاش، إلى آفاق التجنيح الشعري، دون أن نغفل أن المناخ الشعري نفسه، المتمثل في الانكباب على قراءة نماذجه وإبداعاته، هو البيئة المؤازرة على الإخصاب والتوالد والتنامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>